اقتصاد

طبخة خاطئة

المتعارف عليه اقتصادياً وعبر التاريخ أنّ زيادة الأجور تؤدّي “أتوماتيكياً” إلى ارتفاع الأسعار، وليست ناتجة عنها، ولم تكن في يوم من الأيام بعد ارتفاع الأسعار، وإنما زيادة الأسعار ردّ فعل على ضخ سيولة أكبر في السوق ومن باب أولى.. كلما ارتفعت الرواتب كنّا نلحظ تضخّماً..
وفي حالة الزيادة الأخيرة على المشتقات النفطية الشهر الفائت كنا سنحصد ثمار جدواها الاقتصادية لو تم رفع الرواتب والأجور بالقيمة العينية ذاتها، وبذلك تعتبر ناتجاً عنها لا سبباً لتلك الزيادات، وستثمر دوراناً في العجلة الاقتصادية دون أدنى شك.
هذا في حال تمت معاملة الرواتب والأجور مثل أيّ سلعة أخرى، لا بل بأحسن منها، أي أن تُرفع الرواتب والأجور لتستطيع سدّ حاجات متقاضيها وتمكّنهم من تجديد قدرتهم على العمل، وذلك على أبعد تقدير؟!.
ومن جانب آخر، لا يمكن إغفال الأزمة ومنعكسات الحصار الجائر والعقوبات الظالمة على سورية وعلى تراجع النمو الاقتصادي، وبالتالي العبء الواقع على خزينة الدولة كبير في ظل توقف جزء كبير من قطاع الإنتاج في سورية، ما شكل ضغطاً كبيراً على الاقتصاد مع ارتفاع الأسعار، حيث تتحمل الدولة الكثير من الأعباء، ومن هذا المنطلق يمكن التبرير للحكومة رفعها التدريجي الذي تنتهجه خلال العامين الماضيين.
إلا أنه وفي الوقت ذاته لم ينجُ الفريق الاقتصادي في الحكومة من طبخات سياسات اقتصادية خاطئة، لنغدو مع الحديث الشريف القائل: “لا أخاف على أمتي من الفقر لكن أخاف عليها من قلة التدبير”، وذلك عندما قررت الحكومة رفع أسعار المازوت والغاز المنزلي والخبز بنسب تراوحت بين 30 و55%، دون أن يقابلها زيادات مماثلة في الرواتب لردم الهوّة ما أمكن بين الأسعار والأجور.
أمر انعكس مباشرة على مختلف نواحي الحياة ارتفاعاً في الأسعار، لأنها مواد أساسية وأولية للعديد من القطاعات، بينما تقلصت القيمة الشرائية للرواتب في ظل ارتفاعات لم تعُد الأربعة آلاف ليرة التي أضيفت إلى الرواتب، ولا حتى العشرة آلاف، قادرة على سدّ الفراغ الكبير بين الأجور والأسعار.
في نهاية المطاف أصحاب الدخول المحدودة والمعدومة هم من يدفعون الفاتورة دائماً، وقروشهم لم تعُد سلاحاً فعّالًا أمام ذلك السوق الشرس الذي يحصد الأخضر واليابس، ويرهق البلاد والعباد، فعبثاً يحاول المواطن تخطي عتبة الشهر دون استدانة، رغم تقشفه الذي يزداد يوماً بعد يوم، ولم يعُد باستطاعة الراتب تغطية أدنى مستويات المعيشة، ومن يستطع الصمود حتى منتصف الشهر فهو “بطل من هذا الزمان”.
سامر حلاس
Samer_hl@yahoo.com