“سنوات الحب والحرب” رسائل عشق لسورية
“قلت لي: مضطر أن أموت كل شيء يسقط هذه الأيام، المرحلة مرحلة سقوط.. وحده النضال لا يسقط، ونحن أمام حلين: السقوط أم الموت لذا ترينني مضطراً أن أموت. كنت أعلم أنك لست من أولئك الذين يسقطون”.
هي كلمات كوليت خوري التي وجهتها للشهيد كمال ناصر الذي اغتالته عناصر الموساد في عملية متزامنة مع رفيقيه أبو يوسف النجار وزوجته وكمال عدوان، وبها استهلت كتابها” سنوات الحب والحرب” الصادر حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب بطبعة جديدة، الذي يحمل في طياته خواطر أدبية ومقالات نشرتها في صحف محلية وعربية استنهضت فيها الهمم وأضاءت على الكثيرمن البطولات والأبطال الذين وقفوا في وجه الكيان الصهيوني خلال حرب تشرين بالإضافة إلى مجموعة من القصص القصيرة والزوايا النقدية.
بلا مكياج
هذا العنوان اختارته خوري للفصل الأول لتبقى:”المرأة المجردة التي تنعكس عليها كلماتي النابعة من عالمنا فتظهر الكلمة للقارىء بلا “مكياج”. وبلا مكياج أتت بقية الزوايا، المحطة الحزينة والعالم العربي ونصفنا الضائع ولعبة الترف وسواها.
الفصل الثاني حمل عنوان”من ذهب تشرين” وبكلمات من ذهب حيت أبطال سورية ، جنوداً ومواطنين وسياسيين، في” تحية إلى أبطالنا” وكأني بها تعني مقاتلينا وأبطالنا اليوم أيضاً قالت:”الآن تصغر الكلمة، ووحدها تكبر قطرة الدم، تسمو تتضخم تتسع حتى أنها تغمر وجودنا والعالم بالنور. فإليكم يا من ترسمون بدمائكم مصيرنا.. إليكم أيها الأحباء المقاتلين هناك تحية تحمل كل وجودي.
“سفراؤنا إلى المجد ومواطن من تشرين امرأة من تشرين عندما يحكي الوطن كانت العناوين” و” مدينة الصمود” التي تحكي فيها قصة الجندي الإسرائيلي الذي ظن أن حظه السعيد أوقع طائرته فوق دمشق ولم تنفجر كبقية زملائه جراء صاروخ وبأنه سيتمكن من الهرب قبل أن تصل إليه أيدي رجال المدينة الصامدة لكن: “هل هو يحلم؟ يا له من كابوس؟ المظلة تدنو من الأرض.
ماذا يفعل هؤلاء؟ أليس من المفروض أن يكونوا في الملاجئ؟ ثم تكمل:”كل شيء يدور المظلة تدور، رأسه يدور، الموج الأسمر يدور والدنيا تدور تدور وفوق الناس قرب المقابر وراء باب شرقي يقع على الأرض مغشياً عليه.
زاوية حرة
الفصل الثالث كان بعنوان “كل اثنين زاوية حرة” في صحيفة البعث السورية وصحف أخرى انتقدت من خلالها المتصاعدين من موظفين إلى كبار المسؤولين الذين من النادر أن تجدهم في مكاتبهم وإن وجدوا فهم مشغولون من اجتماع إلى اجتماع ومعاملات المواطنين تتراكم على المكاتب.
أيضاً كتبت، عن الكلمة الحرة وعيد الميلاد ورأس السنة.. عن جواد كبا، عن العرب والإسلام، براعم المجد، عن عودة الأبطال وعيد الشهداء، بلودان، بيروت والقنيطرة، وعن نزار وقلبه الذي تعب، تقول:
“ما بال قلبك يا نزار ينهار اليوم، عندما اتسع قلب دمشق؟
ما بال الشعر يدخل المستشفى عندما غدت دمشق بعد حرب تشرين أروع قصيدة؟
وما بال القوافي تتشرد عندما أصبحت دمشق يداً محبة تمتد لتمسح الغربة القديمة؟
ترانا يا صديقي الكبير نضيق أيام الراحة بالذكريات السود؟”
وفي “لغة السياسة” كتبت:”شتان ما بين الحل السياسي الذي هو فترة لا حرب، دُفع ثمنها بالدم وفرضها القتال وبين الحل السلمي الذي يتضمن معنى الوفاق ويمحو ذكرى الشهداء. أسرانا عادوا أبطالاً فتحول التراب تبراً تحت أقدامهم، عادت القنيطرة فرأتها في عيون أهلنا في لبنان كما في عيوننا فرحاً ورفعة رأس وفخار:
“في العيون دهشة ولهفة واحترام وتقدير، في العيون تعبير جديد يكاد يشبه عدم التصديق، وعندما يرونني أنا- الأصدقاء وغير الأصدقاء، من يعرفني ومن لا يعرفني- تتفتح العيون والأذرع لا لشخصي إنما للمواطنة السورية القادمة من دمشق”.
وقفات
ثلاث وقفات تضمنها الفصل الرابع عن زيارة الملك فيصل إلى دمشق، ورحيل أم كلثوم وأولها “الحياة موقف” عن صاحب المواقف الرائعة عن الرئيس الراحل حافظ الأسد حين لبى نداء الأخوة من الرئيس فرنجية كتبت:”لأن التضامن هو القوة هو السد، ولأن خطوات الإنسان المؤمن هي التي تفرض التاريخ، وقد كانت الخطوة، فما أروعه من موقف.
خوري كتبت عن الألم، عن مبدعي سورية وأبطالها وأعلامها، صدّرت حبها هنا وإعجابها هناك وربما أوجعتنا في بعض المطارح ووجهت سهام النقد إلى خطأ لابد من إصلاحه هنا أوخلل هناك أو فساد طال بعض ضعاف النفوس، لكن لا شك يبقى كتابها دعوة للارتقاء والتعاضد للوقوف في وجه شرور العالم وهو أولاً وأخيراً رسائل عشق من سيدة نهلت علمها وأدبها من منزل خلع عن كتفيه كل عباءة سوى واحدة نسجت بحب سورية والانتماء إليها.
بشرى الحكيم