ثقافة

أطفالكم… أبناء الحياة

صورة تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي لأب وأطفاله يقفون في مقبرة وتتوزع أمامهم مجموعة شواهد حملت أسماء من يرقدون فيها، واللافت في الأمر أن ما كتب على هذه الشواهد ما كان إلا “أسماء لشخصيات كرتونية” مثل: “المرحوم سنان، المرحوم عبسي، المرحوم الكابتن ماجد، والمرحومة السيدة ملعقة”، هي صورة تحمل في طياتها الكثير من المعاني، هذه الأفلام الكرتونية الجميلة ترعرعنا على حكاياتها وكبرنا مع أبطالها، وملأت أيام طفولتنا ببراعم أزهرت قيماً نبيلة ورسائل تنبض بالإيجابية ومحبة الآخر، فالكابتن ماجد علمنا التصميم على النجاح والسعي إلى الهدف، وعرفنا من بابا سنفور أهمية الحكمة في القرارات، أما سنان فكان عنواناً لا يغيب عن الذاكرة لـ”ما أحلى أن نعيش في حب وسلام” وتعلّم معظمنا أجزاء الجسد ورحلة الدورة الدموية من “كان يا ما كان الحياة” وهي برامج للأسف لم يعد أطفال اليوم يعرفونها حتى مجرد المعرفة.
وكما هو معروف فإن الفئة الأكثر تأثراً بما يقدمه التلفزيون هم الأطفال هذه الصفحة البيضاء التي يستطيع من يريد رسم أي شيء على مساحتها، فهم غير قادرين على التمييز  بين الحقيقة والخيال، وعلى الرغم من هذا يغفل الأغلبية أهمية وخطورة ما قد يوجه للطفل عبر برامج الأطفال المخصصة لهم، فهي برامج وافدة وليست محلية في معظم الأحيان، وتتضمن ثقافة مختلفة عن ثقافتنا، وعلى الأغلب فارغة من الرسائل الإيجابية هذا إذا لم تحمل رسائل سلبية، ولعل الأكثر خطورة هو تلك البرامج التي تحمل صبغة دينية تقصي الآخر في المحتوى الذي تقدمه، حيث انبرت  قنوات عربية متخصصة بكاملها لبث برامج أطفال تستهدف من خلالها شرائح وفئات معينة من الأطفال تخاطبهم وتتوجه إليهم فقط  متجاهلة سواهم كقناة “طيور الجنة” مثلاُ، التي اعتادت الأمهات أن تترك أطفالها يتابعون ما تقدمه بدون أي رقابة، حيث يتلقى الأطفال من خلالها أناشيد وبرامج يتم فيها التركيز على مجموعة من التعاليم والمواعظ الجاهزة وربط كل تفاصيل الحياة بها، وليس خفيا ما تمرره تلك القنوات من الأفكار المغلفة بما تبثه للطفل لتزرع في داخله منذ نعومة أظفاره الانحياز لجهة معينة والابتعاد عن العلمانية وتقبل الآخر، وبغض النظر عن صحة التعاليم التي تقدم فما نشير إليه هو أن العلوم الدينية ليس مكانها القنوات الموجهة للأطفال، كما أن ما نستهجنه هو أن يتم التعامل مع الطفل بناء على هويته الدينية ومخاطبة هذا الجانب فيه، عدا عن أن الطفل  يتماهى معها دون أي تفكير، أو تفعيل لخياله، بل وفق أطر مرسومة حيث يحدد له ما يفعله ضمن مجموعة تعاليم وهي تأخذ الطفل إلى منحى لا يمت للطفولة بأي صلة.
من هنا يمكننا القول أن الأفلام الكرتونية وبعض الرسوم المتحركة التي يتم تقديمها للأطفال تؤسس لجيل كامل وتبقى علامة فارقة في أذهاننا، نكبر وتكبر معنا ويبقى أبطالها هم أبطال الطفولة وصانعو الأحلام والأماني، فسالي الحزينة استحقت تعاطفنا وحمل سمها الكثير من فتيات جيلنا، وكذلك الفتى النبيل كان مثالاُ يحتذى، أما “افتح يا سمسم” فله حكاية أخرى فمنه تعلمنا الأرقام وعشقنا لغتنا الفصيحة، وعلينا ألا ننسى أن مهمة المحافظة على صفاء أذهان أطفالنا من التلوث وبشاعة التطرف تقع على عاتقنا، لذا دعونا نبقي تلك الشخصيات اللطيفة بطلة عالم أطفالنا، لنجعله عالماً ملوناً بقوس قزح يعدهم بالسلام والأمان، ولنكف عن تصنيع غدهم وفرضه عليهم، ولندع لهم حرية اختيار اتجاهاتهم عندما يكبروا دون أن نرسمها لهم منذ الآن، ولنتذكر أن أولادنا خلقوا لزمان غير زماننا ولزاماً علينا أن نعلمهم غير ما تعلمناه، ولننشد مع سفيرتنا إلى النجوم دائماً “أولادكم ليسوا لكم..أولادكم أبناء الحياة”.
لوردا فوزي