ثقافة

“الكرشونية” من جديد

بشرى الحكيم
يصرح بيل غيتس رجل الأعمال الشهير وأغنى رجل في العالم ومؤسس “مايكروسوفت” في جلسة حوارعلى موقع “ريديت” الالكتروني أنه يشعر بالغباء كونه لايعرف لغة سوى لغته الانكليزية ويندم أنه لم يتعلم اللغة العربية كما الفرنسية” إضافة إلى لغته”، بينما شبابنا في يومياتهم وعلى مواقع التواصل الاجتماعي يسيرون في خطى تتسارع باتجاه استبدال لغتهم بلغة قديمة جديدة باتت تشكل نوعا من غزو جديد هو “الكرشونية” وهي لغة قديمة اعتمدها العرب في القرن السابع بعد الميلاد في تدوين مخطوطاتهم لعدم شيوع العربية على نطاق واسع في العالم. و”الكرشونية” هي كتابة الألفاظ العربية بأحرف أجنبية وهي ذاتها اللغة التي دعا إليها يوماً ما سعيد عقل كخطوة أولى للتخلي عن العربية واعتماد اللغة المحلية المحكية وهو السائد لدى جيل الشباب عدا عن إحلال بعض العبارات والمصطلحات الأجنبية محل العربية، وهو أمر تعدى الشباب إلى الكثير ممن يدعون الثقافة وعشق اللغة والغيرة عليها بدعوى الانفتاح على ثقافات العالم و”العصرنة”. والخشية أن يكون هذا بداية مرحلة فقداننا لغتنا وهو ما حذرت منه اليونيسكو التي أكدت في أحد تقاريرها ان العربية مهددة بالانقراض بالإضافة إلى لغات عديدة أخرى قبل نهاية القرن الحالي، بالرغم من أنها من اللغات الست المعتمدة في منظمة الأمم المتحدة، ما يعني فقداننا سلاحاً نجابه به العالم في المحافل الدولية، والمفارقة أن دولاً غربية عديدة طالبت حكوماتها إدراج العربية ضمن مناهجها التعليمية واعتبارها لغة يجب الحفاظ عليها حرصاً على التواصل مع أهلها.
وفي عهد الرئيس الفرنسي ميتيران تنامى شعور لدى الفرنسيين بضعف لغتهم وأنها باتت مهددة مقابل هيمنة الانكليزية فقاموا باعتماد خطط ومشاريع لتقويتها ونشرها ومنعوا استخدام سواها في لوحات الشوارع والمحال التجارية.
دعوا جانباً كل ما سبق وانسوا أن اللغة هي الوعاء الآمن الذي حفظ ثقافتنا طويلاً، ووسيلة خلق إبداعات كثيرة وحضارات مازال العالم يتحدث عن خلودها، وأنها جاهدت للبقاء والصمود لقرون عديدة، دعوا التاريخ، ولغة الأجداد ووعاء الثقافة والهوية، وفكروا قليلاً، هل غير العربية تلمس الإحساس في أعماقكم عندما نقرأ أدونيس والماغوط وخضور أو نزار حين يقول:
آه ياشـــام التي تفشــى شـــــذاها        تحــت جـلــدي كـــأنـــه الزيزفون
قادم أنا من مدائن الريح وحدي        فاحتضنّي كالطفل يا قاسيون
أهي مجنــونــــــة بشــــوقي إليــــهــا        هــــذه الشــــام أم أنــــا المجنـون
وهل سواها يدغدغ القلب حين تغني فيروز:
بلادي وزَهْرُ دِمشــــقَ يضــــــــوعْ           بما في الذُّرا من شذىً طيِّعِ
دِمشقُ الجميلةُ عندَ ربىً                  مِـــــنَ الشّــــــرقِ طيّبــَةِ المَرْتِـــــعِ
فكّروا بها قليلاً.