“أجنحة الملكة” توثيق لحالات الحب والحرب
“لقد سرقوا منّا مدينتنا كمن يسرق النجوم، أصابها البلاء فبدت مثل محتضرٍ يخرج من بين الركام”. و”أجنحة الملكة” هي الترجمة الفرنسية لرواية واسيني الأعرج “سيدة المقام”، والتي قام بترجمتها الفرنسي “مارسيل بوا”. والروائي واسيني الأعرج أستاذ جامعي للأدب الحديث في جامعة الجزائر، وُلِدَ في تلمسان عام 1954، أصدر حوالي عشر روايات، تُرجمت بعض أعماله إلى العديد من اللغات الأجنبية ومنها: “حميدة المسيردي الطيب، وقائع من أوجاع رجل غامر صوب البحر، زهرات اللوز 2001، شرفات بحر الشمال 2003، حارسة الظلال، ذاكرة الماء”. ومجموعة قصصية بعنوان: “أسماك البر المتوحش” . وله دراسات منها: “اتجاهات الرواية العربية في الجزائر”. نال عام 2002 جائزة الرواية الجزائرية.
يتابع واسيني الأعرج عاجزاً ومصدوماً نزاع ميريام الأخير مع الموت، أحبا بعضهما بجنون .يفتح هذا السهر الأليم قرب سرير المشفى، الرواية ويختتمها في حلقة دائرية تبرز الفارق بين زمن الحياة وزمن الموت، نسترجع معه مسار ميريام المذهول في بلد يغرق في العنف حيث يحتل وضع الجزائر في التسعينيات “العقد الأسود” صلب كتاباته، وهو يقص المفسدة والخراب والكارثة التي حلّت في مجتمع وفي أعماق ميريام راقصة باليه في الجزائر الممزقة والغارقة في الفوضى حيث تُغلِق الجماعات الإسلامية جميع المساحات الثقافية. ففي 7 تشرين الأول عام 1988 تُصاب برصاصة طائشة في دماغها. وتُصبح أيامها وحركاتها معدودة، وعليها تعُّلم التعايش مع هذا، وعليها أيضاً أن تتخلى عن الرقص، وهذا ما لن تقبل به، فقد اكتشفت الرقص وهي طفلة بفضل لقائها مع أناتوليا الروسية التي تقترح عليها الدخول في فرقة الباليه التي أسسّتها في سيدي بلعّباس. وهكذا تتحول أناتوليا إلى أم ثانية لها. فقد اضطرت أمها الحقيقية إلى الزواج مجدداً ضمن تقاليد العائلة من شقيق زوجها – فوالد ميريام كان قد اُغتيل على يد منظمة فرنسية متطرفة، وميريام لم تعرفه –والذي يتبين أنه صعب المزاج وعدائي.
وللخلاص من البؤس والانغلاق الذي تعيشه مع أمها وعمها، تقبل ميريام بأول من يطلب يدها، وتلك كانت غلطتها الأساسية، لم تتمكن من تأجيل موعد الزفاف إلا على حساب خططٍ يومية، ويوافق زوجها على طلاقها، فيسمح لها باستعادة حريتها: وهكذا تفرغت للرقص باندفاع، وقد لعبت دور”البربرية” لـ محمد إيفاربوشين، المسرحية المستوحاة من قصة حياة فاطمة آية آمروش، لتبدأ بعدها التمرينات على “شهر زاد” لـ ريم سكي كور ساكوف في معهد الفنون الجميلة.
هنا تنشأ قصة الحب بين الراوي وميريام، كتحدٍ للإحباط المهيمن، “فقد شكّلت جماعة محاكم التفتيش جيشاً يرعى حياة المدينة هل تعرف؟ أشعر أني لم أعد آمنة في هذه المدينة. فهم قادرون على الخروج من كوب قهوة المساء أو من شقوق غرفة النوم. ينصبون مشانقهم ويقيمون خشبة الجزار حيث تُقطع الرؤوس الجريئة” ووسط هذا الانقلاب الذي لا مفر منه، يعيشان قصة حب كاملة، باعتبارها المساحة الوحيدة للحرية ولإعادة الإعمار.
“أجنحة الملكة”، رواية لمجازر وحرائق، وجهالات، وتصويراً عن قرب لمشاهد هدم المجتمع المدني بأيدي أبنائه، وتقويض أساساته انقياداً لمفاهيم خاطئة مدمّرة، أو رغبة في تعميم الخراب. كما ترسم الرواية تواؤماً لمأساة تتدحرج فصولها على مساحات بلدان عربية أخرى حيث تعتمد أغلب حوادثها على حقائق عاشها أبناء المجتمع الجزائري، وتعيشها الآن مجتمعات عربية أخرى وإن بدرجات متفاوتة.
ينسج واسيني الأعرج خيوط حكايته، ويداخل بين فصولها وأزماتها المتعددة، ويظل القارئ ممسكاً بخيط غامض، إلى أن يصل فيما بعد إلى مساحات الحدث ومشاهد الدمار، متتبعاً ذكريات الراوي حيناً، وخواطر ترد على لسان بطلة الرواية ميريام أحياناً أخرى اللذين يشتركان في إكمال المشهد.
ترجمة وإعداد: إبراهيم أحمد