ثقافة

سقوط الراء.. حبر الحرب والحب لـ دريد أكرم زينو حياة على شفير الموت كتابة

الحب والحرب، هذه الثنائية الملتبسة حينما تتماثل أو تختلف، وما الذي يستدعيها بجدليات الشعر لتصعد مفرداتها وتنأى عما يجعلها خطاباً فحسب؟
ينهض الشعر في عصوره كلها كمعادل جمالي/ رؤيوي لتلك الثنائية الباذخة الإيقاع، ينهض ليستدرج سؤال الحياة وفي ضراوة السؤال ثمة ما يحيل على الشعر اختباراً لمسافته واختياراً لأسلوبيته، ليأخذ كل قول شعري حصته من التجريب في محكياته وضروب صوغه لها، أو توسل شاعريتها قبضاً على أكسير الغواية.
في قول شعري زمن الحرب يحايثه برؤية للحب/ العشق إذ لا تستدعي الحرب بقدر ما تجعلها فضاء لتؤثث فيه إقامة مفارقة لمتعالياته. لكنها الحياة كيف تمر من أمام شاشة الرؤية لتقيم في المعنى وما يفيض عنها نثارات تعيد انتظامها في صيرورة شاعر لا يكسر راء الحرب ولا يهدمها عن قصد عشق فقط إلا انتباهاً لزمن الحب ومحكياته المتعالقة بحكايا الحب والحرب في آن معاً.
في الدلالة القصية للعنوان-كعتبة دالة، سيغدو الحب في زمنه الآخر، هو الحكاية المبرأة من آثام الحرب، في اعتمالها بشعرية مختلفة، ليس لنزوع رومانسي خالص فحسب، بل فيما يجترحه الشاعر دريد أكرم زينو من صوغ درامي لكثافة الحدث الشعري الموازي للحرب، وبنزوع-إضافي-للتجريب، ليأخذ تجلياته في صيغ حداثية لا ترتهن للشكل بقدر ما تعيه كمضمون وتذهب لاختباراتها الجمالية، وتدفقاتها النفسية، لتشي ببلاغتها الداخلية، فالمعادل لصخب –الحرب- واحتدامها، هو الحب في بوحه المنتزع، وفي تأجيج التدفق ومزج الرومانطيقية بالرمزية حتى تكون الحرب ذاتها استعارة كبرى، لجملة شعرية، لمقطع شعري، لومضة مشعة، تنتظم كوحدة إيقاعية جاذبة للتفاصيل، أكثر من قدرة على نثر الحياة، بحركتها الدرامية-القصصية-الحكائية، لنقف على حساسيتها لجهة القيمة الأدل: الحب، في قصائد مفتوحة نصوصها ومتواترة بذاتها وحالاتها وتلوين لغتها بدينامية القول الشعري الذي لا يطمئن سوى لقلقه الخاص الفاعل، ولا يستكين للمنجز، والناجز، ولا يحتفي بنص سابق، ليذهب في (حبر الحرب والحب) إلى متخيله هو، في مقابل متخيل آخر هو الحرب، ليفكك نسقها، محاولاً ألا ينساق لثقل اللغة، ولينفتح في الأعم الأغلب على (نص الروح).
يجترح الشاعر دريد أكرم زينو حرية لنصوصه، ولزمنه ولتجربته في تشاكلها، بالسيرة، وبراءة الصوت، واستلهام التجربة، مع نص آخر هو نص الحرب، وفي اختلافه الذي يسعى لانجازه، صوتاً وصورة ورؤية، وعمارة شعرية تشبه ذاتها، وتستقرى داخلها.
«نتعثر بأسباب الحياة.. فنسقط نحو السماء»، لكنها أسباب الشعر،من تعاين جدليات التماثل والاختلاف، الحبر-الدم وكيف تسقط «الراء» بمجاز الحب، « فلا أبدية إلا في الحب» كتابة تأخذنا إلى ما حدث، إلى ما سيحدث.. «ففي زمن الحرب، لن يضير شوارع المدينة إن نقصت أشجارها ياسمينة».
«أجمل ما قد يحدث لك أيام الحرب/ أن تشرق الشمس من حقيبة مدرسية».
هل هو محض امتداح للأمكنة، أو الأزمنة الأخرى، أو لخطاب العشق، أو محض «بيليوغرافيا» اليوميات الهاربة، واصطياد المعنى.
«على بعد قذيفتين.. هناك في ذات المكان الذي قنصوا فيه الياسمين.. على يمين الموت.. تجدين مقهانا الذي سنلتقي.. شهيد وشهيدة».
للشعر في انفتاحه على أجناسه الأخرى، تراسلاً وتعالقاً ومضايفة، فلا يعلل فائض النثر، إلا في الرهان على الشعرية، إقصاء للموت أفعالاً ورؤية، في التجلي «الميتافيزيقي»، في كتابة التناقض الرئيس، في الكتابة المضادة التي تتطير مما هو مستقر وجامد وبلاغي، إلى الدخول في حقل دلالي، وعليه يتعين المعنى في الانفتاح، وإثراء التأويل، وأزعم أن ذلك ما تستبطنه النصوص، في حكاياتها بعيداً عن الانشغال باستقرارها الإجناسي، ووقوفاً على كثافتها الجمالية، لأنها مدونة حياة على الرغم من «لكن ياء النداء غافلها جنون الحرب.. ومضت تسكن شفاه طفل يتيم على ناصية الهمزة». وهي بتعبيرات صورها الحية وبدينامية سردها، تذهب أيضاً لثقافة الحب «حياة على شفير الموت كتابة» في كشفها لطاقة القول وممكنه في تشكيل قصيدة، تظل فيها الذات الشاعرة، أكثر-قدرة- على التماهي بما يكتمل بها، أي حضورها الآخر، لتكتمل أفعال الحياة.
سقوط الراء-حبر الحرب والحب لـ دريد أكرم زينو، في كلية رهاناتها على حساسية الرؤيا، وثبٌ إلى المطلق واللانهائي، وسعي لاختلاف ينجز خصوصيته ويشرع الأبواب واسعة لأسئلة تنفتح على ماهية القصيدة، وماهية اللغة كيف تكون مثوى الكينونة.
وحدها أفعال الشعر، هي أفعال الحياة، في «سقوط الراء» بل في استدعاء الشاعر لأمثولات الحياة ومراياها الأخرى.. «لقد كنتُ حينها مرآته التي كُسرت، وكان هو أنا الذي أخشاه».
أحمد علي هلال