الدولار ضيفٌ ثقيلٌ على أيامنا
لوردا فوزي
أصبح الدولار كطقس شباط لا يستطيع أحد أن يتنبأ بارتفاعه أو انخفاضه، يعلو فيأخذنا معه إلى أقصى الأعالي ويخطف معه الأسعار إلى قمة لا يطالها إلا من طالت يده، يموج ويهوج على هواه، لا يردعه احتجاج أو حتى رجاء، أنه الدولار الذي باتت تعرفه حتى عجائز قرية نسيها الزمان – أو كما يسمى من قبل العجائز أنفسهم “الدورال” وهم على يقين أنه اسمه الحقيقي بالفعل- وأصبح الاطمئنان على السعر الذي اختاره لنفسه سؤال صباحي نستهل به نهارنا -لا من باب محبة أو حتى عتب- بل لنطمئن على جيوبنا المثقوبة فما يحدث هذه الأيام أننا نغلق أعيننا مساءً على سعر له، لننهض في ساعات الفجر الأولى على رقم خيالي لا يمت للأول بصلة. وفي أحوال عادية كنا “سنطنش” الدولار وسعره وسيرته كلها فماذا يعنينا – كأشخاص لا نتعاطى شؤوناً مالية واقتصادية – من أمره فهو ليس عملتنا الوطنية ولم تكن تفاصيلنا الحياتية في أي يوم من الأيام مرتبطة به، لكننا اليوم أمام ظاهرة فريدة تفرض الدولار على شؤوننا الصغيرة فحتى عندما تذهب لشراء الخضراوات والفواكه يفاجئك بائعها بالقول أن سعرها ارتفع عن بضع ساعات مرت ويختم ما يردده بحجة “مو شايف الدولار شو طالع”، وعندما تسأله مستغرباً عن علاقة البندورة والخيار والتفاح بالدولار، يبدأ بسرد قصة البندورة على سبيل المثال، منذ اللحظة التي جاءت بها إلى الوجود مروراً بتعاسة رحلتها في هذا الكوكب حتى ختام دورة حياتها ووصولها إلى صندوقه الأغبر، وهي محاولات لإقناعك أن ما يتقاضاه أقل بكثير مما عاناه هو والبندورة، ،ولأنه لا حيلة لك ولا أمر، ولأن من ينتظرك في المنزل ينتظر معك البندورة نفسها محور الجدل والنقاش، فتأخذها مسرعاً وتمضي، طامعاً بلطف العلي القدير ألا تضطر أن تحتاج تعاملاً آخر مع الدولار على الأقل حتى بقية يومك.
كما يبدو أنه في كل مرة يحمل الدولار بيده حقيبة تفاصيل المواطن المعيشية من أصغرها حتى أكبرها، ويخطو بخطوات واثقة نحو مصعد يملك اتجاهاً واحداً فقط وبالطبع هو اتجاه نحو الأعلى، وتلك الحقيبة لا تحط رحالها إلا في أعلى طابق من طوابق الأسعار الخيالية وتأبى النزول مراراُ وتكراراً علماً أن الدولار –وياللغرابة- يملك أحقية الهبوط لكن دون أن يسحب معه في هبوطه هذا الحقيبة التي صاحبته في رحلة الصعود والتي “يتحجج” الأغلبية بأنه هو من أوصلها إلى ذلك الطابق.
كان من الجميل جداً أن نتعرف نحن وأولئك العجائز في تلك القرية المنسية على المدلل “الدولار”، هذا ما ظنناه في بداية الأمر، لكن المصائب المتتالية التي رافقت تعرفنا إليه وصاحبت انتشاره في مجتمعنا جعلت العلاقة سيئة بيننا وبينه، وأصبحنا نتمنى أن يبتعد عائداً لعرشه العاجي، فتلك الكيمياء الضرورية لأي علاقة، للأسف لم تخلق بيننا وبينه، ولم نعد نعتبره ذاك المحبوب، بل أصبحنا نستعيذ بالله ما إن لاح في الأفق خبر اعتلائه المصعد مرة أخرى.