ندوة “الأربعاء التشكيلي”: الفنان الراحل غسان السباعي موضوعاً
تناولت ندوة الأربعاء التشكيلي تجربة الفنان الراحل غسان السباعي الطويلة، وكنا قد عرفنا بالندوة سابقا، ونعيد التذكير بأن ندوة الأربعاء التشكيلي هي ملتقى حواري مصغر يعقد كل يوم أربعاء في صالة الرواق العربي بدمشق، ويرعاه اتحاد الفنانين التشكيليين بغية تنشيط الحوار التشكيلي بين الفنانين، لجعل لقاءاتهم فرصة مثمرة وحافزاً فيما بينهم من خلال الاطلاع على مشاريع بعضهم وتداول الرأي فيما بينهم بخصوص تجارب زملائهم، والتواصل المثمر باتجاه التجربة الخاصة لكل فنان، وفي مسعى لتوثيق يوميات سورية تنتصر على الألم، وتجعل من الحياة اليومية للفنان وافرة وناقدة ومحاورة كما في المرسم، وقد كان الفنان الراحل أحد أولئك الفنانين المشاركين في معظم الحواريات التي ساهمت في خلق فكرة ندوة “الأربعاء التشكيلي”.
عرف الراحل منذ البداية كفنان يعمل بعقلانية للتعبير عن المأساة الإنسانية، إلا أن هذه العقلانية التي اتخذت الواقعية أسلوبا لها في الستينيات تحولت بعد ذلك إلى التعبيرية، فأصبحت اللوحة تحمل البناء العقلاني المتماسك والرموز المدروسة بعناية، في الوقت الذي تحافظ فيه على الانفعالات والعواطف، وهكذا تطورت واقعية السباعي باتجاه توظيف عناصر الواقع توظيفا رمزيا تعبيريا إذ يقول: “لا بد من تحديد الواقع، أي واقع نعني؟ فالواقع بالنسبة لي ليس الواقع المرئي البصري بل هو الواقع الفكري المرتبط بالموقف- موقف الفنان- وبالحياة الاجتماعية، وفهم هذا الواقع يرجع إلى خلفية الفنان الاجتماعية والسياسية والثقافية فهو من أكثر التجارب إلحاحا على الدراما الإنسانية وبأسلوب واقعي متطور ينطلق من الرموز المحلية كأساس للتعبير ويعمل على توظيف مختلف العناصر التشكيلية توظيفا تعبيريا رمزيا”.
الواقعية الحالمة
وقد افتتحت الجلسة الحوارية بمداخلة للفنان نذير إسماعيل صديق للفنان السباعي منذ سنوات طويلة، أضاء فيها على زوايا خفية في تجربة السباعي التي تنقسم إلى ثلاث مراحل، وروى عن ذكرياته مع الفنان بأن الخمس عشرة سنة الأخيرة كان الفنان يرسم ذاته..! هكذا سأله يوما: لماذا التكوين معلق في أعلى اللوحة أو يبدأ معمار اللوحة من الأعلى ومها حاول من إضافات في الجوانب يبقى العمل معلقا. هي ذاته النازعة نحو روح التسامي التي تمتلك الفنان السباعي وتطلعه نحو المرتفع والعالي من المكان المفترض كعالم للوحة الذي يبني عليه عناصره ورموزه.
ويتابع الفنان إسماعيل: عرفت الفنان السباعي منذ نهاية الخمسينيات حيث بدأت تجربته قبل سفره إلى مصر للدراسة، وهناك تأثر بأستاذه حامد عويس الذي عرف بواقعيته وتناوله لمواضيع هادفة ملتزما بالواقعية الاشتراكية التي تأثر بها الفنان غسان، لكنه لم يكن واقعيا اشتراكيا بالمعنى الحرفي لواقعية أستاذه عويس، اتخذ مفهوماً واقعياً تأليفياً عرف به السباعي مبني على فهمه للواقع أولا، فالواقع ماندركه ونسعى إلى تغييره، حيث أضحت واقعية السباعي الخاصة والأكثر إنسانية، وقد تطورت خبرة الفنان بعد إيفاده إلى فرنسا لدراسة فن الحفر في “البوزار” بباريس وعودته إلى دمشق مدرسا للحفر في كلية الفنون الجميلة، وبعده تبدأ المرحلة الأهم للفنان السباعي على مستوى إنتاجه للوحة التصوير وإشراقه الإبداعي كفنان يساهم في الحياة التشكيلية السورية بفاعلية مؤثرة.
الصندوق
ويصر الفنان أنور الرحبي على أن السباعي لم يكن حفارا بقدر ما هو المصور المتميز، فهو يرسم بألوان مغسولة مسبقا يقصد منها حقيقة التعبير وصراحة الفكرة أكثر من استعراض التقنية، وحسب قول الناقد الراحل طارق الشريف عن السباعي أنه لا يرسم من فوق “الأساطيح”. فالفنان هو أحد القامات التشكيلية السورية المتميزة وتجربته تشكل معلما هاما من معالم الحياة التشكيلية السورية. واختتم الرحبي رأيه بالسباعي: “الفنان يحمل صندوقا وضاء جميلا مغلقا، حينما نفتحه لن نجد إلا غسان السباعي”.
وقد أغنيت الندوة بمداخلات عديدة ومتنوعة أضافها الحضور من الفنانين ومنهم الدكتور النحات إحسان العر والفنان محمود جوابرة وسالم عكاوي وخير الله سليم وعبد الرحمن مهنا الذي اعتبر الفنان نموذجا للمبدع: أعماله لا تعرف الثرثرة ولا التزيين، بل مدهشة مشبعة بالتعبير. وقد تمنى الجميع بأن تكرم هذه التجربة الفنية بأن تمنح حقها من الدراسة والتكريم، وقد أوضح رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين بأن أربعين الراحل سيشهد افتتاح معرض تكريمي لذكراه بعنوان “تحية إلى غسان السباعي” في صالة الشعب للفنون التشكيلية وطلب من الفنانين المشاركة الفاعلة في هذا المعرض.
أكسم طلاع