ثقافة

أحلام.. برسم الحظ

لوردا فوزي
نضع أحلامنا الشخصية نصب أعيننا دون أن ننصبها في أفعالنا، ونكتفي بتمنيها دون أن نخطو باتجاه تحقيقها، فتبقى تلك الأحلام مجرد أمنيات، وعندما تتدافع الأفكار وتتشابك الاحتمالات مع بعضها لتبحث عن سبب الفشل وعدم تحقيق الأماني، وعندما تعجز السبل والتبريرات لا نجد شماعة نلصق عليها تقصيرنا وسوء تقديرنا سوى الحظ، فذاك الذي لم ينجح في صفه، ولم يترقّ في عمله ولم ينجح في زواجه يحمّل كل ما حلّ به لفاعل واحد لا سواه إنه “الحظ”، فمن الصعب أن يعترف الإنسان غير الواعي بأنه المسؤول عن أخطائه وعن تقصيره في الوصول إلى مساعيه، لذلك يصبح الحظ مشجباً نعلق عليه آمالنا الخائبة،  فمن غير المعقول أن نكون نحن المخطئين بل إنه الحظ الذي تحاشانا واتجه إلى سوانا حاملاً له عصا سحرية جعلته يتبوأ ما يصبو إليه، أما نحن المساكين فقد تركنا الحظ نندب عدم مروره بنا لنردد بحسرة “حظ اعطيني وبالبحر ارميني” ونختمها بالقول: “هيك حظنا”!!.
وعلى الجانب الآخر يقال إن الحظ هو التفسير الوحيد لنجاح من لا يستحق، فعندما نرى أحدهم في منصب كبير أو شهرة فائقة رغم عدم امتلاكه مقومات تؤهله لما وصل إليه- أو امتلاكه لـ”واسطة”- فإننا كذلك نتهم الحظ، فلماذا يقف هذا الحظ “العنصري” في جانب البعض ويعادي البعض الآخر، وما هي الأشياء التي تجلب الجميل منه وتبعد السيئ، مع الإشارة إلى اختلاف الأفكار المرتبطة به من ثقافة إلى أخرى، فما يجلب الحظ  لدى مجتمع قد يبعده في آخر، ويختلف إيمان الأشخاص وتعلقهم برموزه تبعاً لمجموعة متغيرات مرتبطة بالشخص دون سواه، فهناك من لا يؤمن لا بالحظ ولا برموزه ولا يهتم حتى بسماع قصصه، لكن أيضاً هناك من يؤمن به لدرجة أنه قد يرتدي رمز البومة مثلاً لتجلب الحظ الجميل وتبعد ذاك العاثر، أو أن يستخدم نفس القلم الذي كتب به في مرة سابقة كان قد حقق فيها  نجاحاً، وهناك أيضاً من يتشاءم لرؤية تلك الجارة التي صادفها في اليوم الذي فقد فيه وظيفته.. وإن كان أولئك الأشخاص أشخاصاً عاديين يملكون الحق في فعل تصرفات لن تعمم، فهل للعلم هذا الحق؟.. وما هو مثير للدهشة نتائج إحدى الدراسات التي  قالت إن الحظ العاثر هو أول مسبب للسرطان، حيث توصلت مجموعة باحثين إلى أن مجرد “الحظ العاثر” يلعب دوراً رئيسياً في تحديد من يصاب بالسرطان ومن لا يصاب، فهل عجز العلم إلى الحد الذي لجأ كذلك إلى حيلة الحظ ليرمي عليه خيبته!!، وإن كان الجميع يشتم حظه السيئ كل يوم، فالسؤال الذي يتبادر إلى الذهن: من يملك الحظ إذاً، ومن هو هذا الذي استحوذ على أجزائه كلها ولم يبق لغيره حتى الفتات، وأين هو الشخص المحظوظ، وهل له وجود حقيقي فيما بيننا؟.. مازال الجميع ينكر مرافقة الحظ له!.
إن ما يحصل يصور أن الحظ يتمشى مختالاً على درب الحياة، متباهياً  بقدرته اللامعقولة على العبث بأحلامنا لتتحول إلى أحلام برسم الحظ، وحرمان هذا وإغداقه العطاء على ذاك، يحرك بأصابعه أوتاراً تشدنا على هواها، ولفرط عجزنا نقف مكتوفي الأيدي أمامه، فله الطاعة فيما يأمر دون أن ندرك ولو لوهلة أن بإمكاننا أن ننتفض في وجهه ونقول له “لا” ظناً منا أن جميع “لاءاتنا” ستتوارى مع الغيم، ولو أننا وقفنا لمرة واحدة  بتصميم وإصرار لاقتنصنا بقوة العمل والسعي والإرادة مرادنا، فما نيل المطالب بالتمني وانتظار الحظ، بل في فضاء رحب ذي خيارات مفتوحة دون قيود زائفة لنصل إلى أحلامنا التي آمنّا أنها لنا واجتهدنا لنحصل عليها كما نستحق.