مسلسل “حرائر”.. خروج عن النمطية وسعي لتقديم الصورة الحقيقية
لا أدري إن كانت المصادفة هي من دفعت المخرج باسل الخطيب للبدء بعمليات تصوير مسلسله الاجتماعي “حرائر” بالتزامن مع الاحتفال بالمرأة والأم، مع أنني متأكد بأن مثل هذه الفكرة لن تغيب عن مخرج متميز كالخطيب، خصوصاً أن مسلسله المذكور يتناول نماذج من المرأة السورية التي كانت مؤثرة ولعبت دوراً تنويرياً مهماً في فترة مهمة من تاريخ سورية، وبالتأكيد الأقدر في الإجابة عن التساؤلات المتعلقة بطبيعة العمل وخصوصيته، هو مخرجه وبعض المشاركين فيه.. “البعث” زارت موقع التصوير والتقت طاقم العمل. والبداية كانت مع المخرج باسل الخطيب الذي حدثنا عن العمل قائلاً:
يعيدنا المسلسل لفترة من تاريخ سورية المعاصر وتحديداً بين عامي 1915-1920، ليسلط الضوء على بعض الشخصيات النسائية التي كانت تعيش في ذلك الوقت. منها شخصيات حقيقية وموثقة كالأديبة المعروفة ماري عجمي والأديبة والناشطة الاجتماعية نازك العابد، إضافة لعدد من الشخصيات التي أوجدناها بما تتطلبه الحالة الدرامية للعمل، وبما يتلاءم مع رسالته، وهي أن المرأة السورية في تلك الظروف التي كانت تعيشها كانت تطمح للحرية والتنوير، ومحاربة العادات والتقاليد البالية التي حاول الاحتلال العثماني على مدى 400 عام غرسها في نفوس أهل الشام.
فالعمل يتحدث عن النزعة التنويرية التي كانت موجودة من خلال حكاية مشوقة نأمل أن تنال إعجاب الجمهور، والتاريخ أهم مرجع لمعرفة حقيقة ما كان، ويكفي أن نقرأ عن تلك الفترة لنعرف أن دمشق وبلاد الشام كانت بالفعل منارة حضارية وبلداً فيها الصحافة والفنون وحالة التحرر الواضحة.
وعن رأيه بأعمال البيئة وهل يندرج “حرائر” في هذا الإطار أوضح الخطيب أن “حرائر” لايندرج ضمن أعمال البيئة الشامية، بل هو عمل اجتماعي درامي تدور أحداثه في فترة من تاريخ سورية، ولا أريد تقييم أعمال أحد، فأنا لي وجهات نظر محددة، وبرأيي بعض الأعمال التي قدمت كانت موفقة وبعضها الآخر لم يكن كذلك، والحكم في النهاية للجمهور والنقاد، وأنا بطبيعة الحال لا أتفق مع التسمية “عمل بيئة” لأننا عندما نطلقها كأننا نصنف العمل في النطاق الفلكلوري التراثي، وما يهمني هنا أن أقدم الصورة الأكثر قرباً للحقيقة، للضرورة التي تفرضها أمانتنا تجاه تاريخنا ومجتمعنا وجمهورنا، ولا يمكن أن نكتفي بأن يكون المسلسل الدرامي تسجيلياً توثيقياً لمرحله ما فلابد من وجود عناصر درامية شيقة من حكايات يحبها الناس، وفي “حرائر” جرعة درامية على مستوى عال بذلت فيها الكاتبة عنود الخالد جهداً واضحاً، فهي إنسانة تعرف البيئة جيداً وتتقن نسج المشهد الدرامي وتضعه في سياق عمل متكامل، وهذا نادراً مانراه في نصوص اليوم. وانطلاقاً من خصوصية المخرج باسل الخطيب وأسلوبه المتميز في اختيار مواقع التصوير تحدث حول ذلك إذ قال: المنزل الذي يتم التصوير فيه هو منزل الشخصية الرئيسية في العمل الفنان أيمن زيدان وأنا سعيد بعودة التعاون بيننا بعد نحو 10 سنوات من الغياب، وبالتأكيد قمنا بدراسة دمشق القديمة كلها تقريباً لنختار مواقع تصوير فيها مسحة جمالية تعكس جمال بيوت الشام وتلائم أحداث المسلسل.
اطمئنان حول سوية العمل
أما التعاون بين الفنان أيمن زيدان والمخرج الخطيب فقد كان “هولاكو” العمل الأخير الذي جمعهما، وعن هذا التعاون وشخصيته في العمل يقول الفنان زيدان: شاءت المصادفة أن نجتمع أنا والمخرج باسل الخطيب في هذا العمل. و”حرائر” يقدم ما يشبه المرافعة عن المرأة السورية في مطلع القرن الماضي، بتقديم صورة متفائلة للمرأة من حيث فاعليتها في الحياة، وتقديم نماذج من إسهاماتها الحقيقية في تطوير المجتمع، ومن ضمن الحكايات التي يرصدها العمل رحلة امرأة يتوفى زوجها وتتعرض لمجموعة من الضغوط، لكنها تقاوم لتكون شاهدة على حراك اجتماعي حقيقي للمرأة، وأنا في العمل أجسد شخصية الإنسان صاحب الفهم التقليدي في التعاطي مع المرأة، رجل متعنت تجاهها، ومغرق في تقليديته وذكوريته، وقد كانت هناك ملاحظات على بعض أعمال البيئة بتقديم صورة تقليدية للمرأة تقتصر على دورها في المنزل، لكن في “حرائر” هناك محاولة لإنصاف تاريخي موثق بتفاصيل الحياة الدمشقية، وكما نعلم المخرج باسل الخطيب يقدم دائماً تجارب مثيرة للنقاش، وهناك اطمئنان حول سوية العمل إضافة لوجود مجموعة من الفنانين والفنانات الذين نعتز باللقاء بهم.
إظهار الجوانب الحضارية
وتؤدي الفنانة ميسون أبو أسعد في العمل شخصية “زبيدة” التي تذهب في زواج ظاهره يحقق لها الارتياح، لتكتشف أن ضريبة ذلك كرامتها فتختار التمرد والانفصال، ثم يقرر الزوج العودة إليها ضمن الشروط التي تختارها هي، و”حرائر” كما تؤكد أبو أسعد عمل تاريخي ليس كالأعمال المصنفة “بيئية”، وواضح من العنوان أنه يتحدث عن نساء ناضلن من أجل الحرية عبر شرائح ضمت الأديبة والكاتبة والمرأة المجاهدة حتى وإن كانت بسيطة في درجة تعليمها. وتضيف أبو أسعد: أشعر أن للكاتبة عنود الخالد مشروعها وهاجسها الذي ظهر في طالع الفضة، ويبدو الآن في “حرائر” فهي تريد أن تتحدث عن الشام لكن ليس من خلال القصة والشخصيات النمطية التي تقدم الابتسامة فقط، إنما هناك مشروع معني بالتاريخ الدمشقي وإظهار الجوانب الحضارية فيه.
دراما البيئة ونمطية الصورة
ومن المشاركين في العمل الفنانة نادين سلامة وعن دورها تحدثت: هذه مشاركتي الأولى في عمل شامي والثانية مع المخرج باسل الخطيب، وهذا يعني الكثير بالنسبة لي، أجسد في العمل شخصية زوجة ثانية كانت ترفض هذه الفكرة، وأنا سعيدة بالعمل مع طاقم متميز، وأعتقد أن المشكلة في دراما البيئة أنها تنطوي على صورة نمطية تصور مجتمعاً شرقياً، الرجل فيه هو البطل والمرأة تابعة، أما هذا العمل فهو مختلف وكل شخصية فيه فاعلة من موقعها.
بطاقة العمل:
“حرائر” تأليف عنود الخالد، إخراج باسل الخطيب، من إنتاج المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي، ويضم عدداً من نجوم الدراما من بينهم: أيمن زيدان– سلاف فواخرجي– رفيق سبيعي– ميسون أبو أسعد– نادين سلامة– مصطفى الخاني– صباح جزائري.
جلال نديم صالح