الفنان نعيم شلش في ندوة “الأربعاء التشكيلي”: أرسم من أجل الرسم.. والوجوه المتعبة أنتمي لها وأحاورها
شهدت ندوة الأربعاء التشكيلي في لقائها الأخير مواكبة العديد من الفنانين التشكيليين المشاركين في الندوة من خلال المداخلات التي قدموها وأغنت الندوة وأضافت لما تأسست عليه من تفعيل للحوار بين الفنانين وتنشيط لقاءاتهم المبدعة من خلال اتحادهم الذي يدعو ويرعى هذا اللقاء الحواري الفني المتخصص بتناول التجارب الفنية التشكيلية الحاضرة والمؤثرة في المشهد الثقافي التشكيلي، وقد تناولت الندوة تجربة الفنان نعيم شلش الذي قدم عرضاً موجزاً عن تجربته، تضمن النشأة وما لها من أثر في منحى تجربته الفنية والإنسانية، ومن ثم التجربة والموضوعات الأثيرة التي تناولها في لوحاته والتقنية الحاملة لفكره والتي تمكن لوحته من التعبير باللون والخط والظل والنور.
حيفا أولاً
في التعريف ذكر الفنان شلش أنه ولد في قرية غصم في ريف درعا وعاش طفولته الأولى في مدينة حيفا من 1943 ولغاية 1948 عام النكبة الفلسطينية التي شهدها، وخرج مع أهله من حيفا بحراً إلى الجنوب اللبناني، حيث مرجعيون ومن ثم درعا فالقنيطرة، الأب يعمل مصوراً فوتوغرافياً في الشارع مستخدماً آلة التصوير القديمة والستارة السوداء التي توضع خلف الشخص، هذا في القنيطرة في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي، حيث كانت القنيطرة المدينة العامرة بالحركة والحياة. هناك بدأ الميل عند الفتى نعيم شلش نحو تصوير الأشخاص ورسم الوجوه، وقد شجعه الأهل أولاً ومدير المدرسة الذي كان يعلم الطلاب مادة الرسم في الصف لعدم وجود أستاذ رسم. وفي نهاية المرحلة الثانوية قُبل الطالب نعيم شلش في كلية العمارة في جامعة خارج القطر، لكن إصرار الأم منعه من السفر والالتحاق بالجامعة، إذ هددت برمي نفسها من سطح المنزل كي لا يسافر، فانتسب فيما بعد لكلية الفنون في جامعة دمشق سنة 1966 قسم التصوير، ويذكر الفنان شلش أساتذته وملاحظاتهم، حيث يتذكر الفنان الراحل نصير شورى بشفافية بالغة، بينما الأستاذ فاتح المدرس كانت لكل ملاحظة يبديها لها من الأهمية الكبيرة والمفيدة في تجربته، وللؤي كيالي أيضاً حصته من احترام الفنان شلش وإعجابه، أيضاً نوه إلى الفنان لاريجينا الإيطالي الذي درس في كلية الفنون وقد أثر حينها بالأساتذة والطلاب معاً، كما البولوني تيودور أستاذ النحت في الكلية.
الوجوه المتعبة
وتحتل الوجوه مساحة كبيرة من لوحة الفنان شلش، وهي موضوعه الأساسي، ففي معرض أقيم في صالة الشعب سره تعليق أحد أقاربه بأن اللوحات التي عرضت ما هي إلا صور لأهل بلدته الجولانية، فالفنان نعيم شلش يرسم الحالة التعبيرية للوجه الإنساني العامل والمنهك في تأمله ومعاناته من الحياة، وبالفعل فقد كان مشروع تخرجه بعنوان “وضعيات عمالية”. وقد يقول البعض إن الوجوه تتشابه في ألمها وحيادية أصحابها وبؤسهم، لكن الفنان شلش يصر على أن كل وجه هو عالم مختلف بناه بالحوار مع لوحته، وهو حامل لمضامين وإن تقاربت فهي مختلفة، لكنها تنتمي لي وأنا أنتمي لها ومن أهلها، فهو الجنوبي السوري القريب من عوالم البازلت الصارمة بمنطق التعبير فيها، والذي يجسد حكاية إنسانية بالغة.
بساطة التعبير
تتسم شخصية الفنان شلش ببساطة الإنسان في سلوكه ومعاشه، فهو يرسم لأجل أن يرسم ويحب ما يصل إليه من نتيجة مبسطة في عمله، فالوجدان الذي ينشد في لوحته هو وجدانه هو ذاته لا يحتاج إلى وسيط ليصلنا، فاللوحة المعبرة بمساحتها وخطها الخفي الذي لا يقترب إلا من حد الكلفة الأدنى جعلت هذه البساطة سهلة من خلال اللون الذي يتداخل مع الضوء الشفيف في علاقة تناوب وتبادل بينهما، فالفنان يرسم بروح القديس، هكذا وصفه صديقه الفنان أنور الرحبي بقوله: “إنه الفنان الذي يتمتع بالروح والقداسة فهو من كريستال خالص”.
للمأساة أثر
وحدثنا الفنان عن وفاة شقيقته الطفلة الأكبر منه حين كانوا في حيفا، كانت طفلة حنونة معه وهو أخ وحيد، وقد كان لوفاتها أثر كبير في نفسه لم يستطع تجاوزه وبقي لسنوات طويلة يسترجعها ويرسم ملامح وجهها، ومن هنا بدأ الميل نحو رسم الوجه الإنساني ومعاينته فضلاً عن الدور الذي لعبته مهنة الأب في التصوير، ويستطرد الفنان شلش: لم أرسم وجوهاً مرتاحة أبداً، ولا أدري كيف أجنح نحو رسمها، وبعض اللوحات تمثل الطبيعة الصامتة، ولم تتجاوز الست لوحات في حياتي – ست فقط– والمئات من الأعمال التي تمثل الإنسان والوجه الإنساني.
وقد تحدث في الندوة كل من الفنان الدكتور نبيل رزوق، أستاذ في قسم الحفر في جامعة دمشق، عن تجربة الفنان شلش، كما استفسر الفنان نذير إسماعيل صاحب التجربة القريبة من حيث الموضوع، فهو يشترك مع الفنان شلش في موضوع المعاناة والتعبير الإنساني من خلال تصوير الوجوه وتعبيريتها المكثفة ببساطة، تساءل الفنان نذير عن أهمية التحوير، وما الغاية من المبالغة في بعض المفردات والعناصر في اللوحة كالأنف مثلاً، مع العلم أن الفنان شلش هو مصور يتمتع بالجدارة العالية في فن التصوير للبورتريه – حسب رأ ي الفنان نذير إسماعيل؟
وفي مداخلته احتفى الفنان أنور الرحبي بالفنان شلش، فقد زامله في العمل النقابي والفني خلال الملتقيات وتعرف إليه جيداً، وهذا ما اتضح من خلال الرؤية النقدية التي عرضها أنور الرحبي، والتي دلت على سعة العاطفة والتحليل الذي أكد فيه على الدور الصادق للفنان شلش، فقد كان صديق المتعبين، رسمهم وأحبهم بوفاء، وما من رسم له يخلو من جغرافية وطنه وطبيعته، فكان بحق صديق الطريق إلى الطريق.
أكسم طلاع