رسائل رصد وتوثيق درامي ليوميات من لفحتهم الإزمة… أسامة كوكش: “بانتظار الياسمين” إلى المهرجانات العالمية
يؤكد الكاتب أسامة كوكش أن نص مسلسله “بانتظار الياسمين” لم يأتِ من واقع افتراضي جادت به قريحته وخياله ككاتب بل كان حصيلة حقيقية لجملة مشاهداته ولقاءاته الحية ممن تهجَّر من السوريين في بداية الحرب ولم يجدوا سوى الحدائق ملاذاً لهم، فالتقاهم فيها وباحوا له بآلامهم وأوجاعهم، وسمع نحيبهم، فظلت صورهم وأسماؤهم في ذاكرته، معترفاً أنه لم يتخلص من تأثيرهم ككاتب، فكتب عنهم، لتأتي شخصيات العمل وإن كانت درامية إلا أنها تعبّر عن أناس حقيقيين من لحم ودم وألم.
< ما بين العمل الأول “في قلب اللهب” والأخير “بانتظار الياسمين” ما الذي تغير فيك ككاتب وكإنسان؟ وأي جديد يحمله عملك “بانتظار الياسمين”؟
<< بين العملين هناك خمس سنوات مرت من عمر الزمن.. أربعة منها عاشتها سورية وما زالت تحت وطأة حرب لم يذكر التاريخ المعاصر مثيلاً لها، وقد حملت لنا هذه الحرب آلاماً وجراحاً ستمر سنوات طويلة بعد الانتهاء من الحرب لتندمل، وككل السوريين أحمل آلامي وجراحي، لكني ككاتب وجدتُ متنفساً لأقول كلمتي، فأخذت على عاتقي مشروع إعادة الاعتبار للإنسان لطالما كان أول ضحايا الحروب والمعتقدات الخاطئة والمفاهيم البالية لحياتنا، وهو جهد متواضع أقدمه قياساً لمشاريع أخرى، لكنه بالنسبة لي هدف حياة.. من هنا فإن نصّي “بانتظار الياسمين” جاء ليرفد هذه الرغبة من خلال تسليط الضوء على مهجَّري الحرب القائمة على سورية انطلاقاً من قناعتي بضرورة إعادة الاعتبار لهم بعد أن باتوا ضحايا البحث عن سلة غذائية ومأوى وكرامة.
< لماذا لا تعتبر “بانتظار الياسمين” عملاً سورياً خالصاً كما قلتَ في أحد الحوارات؟ ولماذا قررت الشركة المنتجة إنجازه لتقديمه عالمياً بسبع حلقات مترجمة؟
<<“بانتظار الياسمين” عمل سوري بامتياز، ويحمل هويته السورية بكل وضوح، وما قصدتُه حين قلتُ إنه ليس عملاً سورياً خالصاً عنيتُ أن ما حدث للإنسان السوري في هذه الحرب يشابه ما يحدث لأهلنا في مختلف مناطق حروب الفوضى الأميركية (الخلاقة) إن كان في وطننا العربي أو غيره، وقد تصدت شركة Abc وهي شركة وطنية رائدة بامتياز لإنتاج العمل بوعي وثقافة وسخاء إنتاجيّ لتنشر من خلاله رسالتها إلى الوطن العربي والعالم حول هذه الحرب الظالمة على سورية، وقد سخرت الشركة كل الظروف ليأتي نتاجها متميزاً، خاصة عندما عهدت بإخراجه للصديق المبدع سمير حسين، وسيتم إنتاج 120 دقيقة من مجمل المسلسل يتم فيها التركيز على حالة المهجَّرين وأوضاعهم اللاإنسانية القاسية لتترجَم إلى عدة لغات ويتم عرضها في عدة مهرجانات عالمية.
على إيقاع الظرف الراهن
< فرضت الأزمة نفسها على كل العاملين في الوسط الدرامي وانعكست على نتاجاتهم بصور مختلفة، فكيف انعكست عليك ككاتب؟ وأية خصوصية تمتلكها اتجاه هذا الموضوع؟
<< ثلاثة من خمسة أعمال كتبتُها وتمّ إنتاجها تتحدث عن الأزمة بشكل مباشر أو غير مباشر: “حائرات-فوق الموج-بانتظار الياسمين” حيث بات من الصعب عليّ الكتابة دون التأثر بما يحدث حتى الصميم، ولو عاد الأمر لي تماماً لما كتبتُ سطراً إلا وتناولتُ فيه هذه الحرب.. من واجبنا أن نقهر النسيان والتجاهل والتعوّد.. إذا سمحنا لهذه الحرب أن تصبح طريقة عيش مألوفة فنحن نساعد على استمرارها.. وعموماً حتى عندما أكتب بعيداً عن الأزمة فالأزمة تبقى حاضرة في مفرداتي وفي طريقة بنائي وصياغتي للعمل.. ما عاد ممكناً أن أكتب متجاهلاً ما يحدث.. قد أبتعد عن الطرح المباشر للأزمة، لكنها بكل تأكيد حاضرة في لاوعيي.
< ما هي أبرز المطبات التي وقع فيها من تناول الأزمة درامياً برأيك؟
<< بعض من تناول الأزمة من العاملين في الدراما ضلت بوصلته، علماً بأن اتجاهها يفترض أن يكون جلياً وواضحاً: الإنسان والوطن والأرض، وهي الجوهر الذي أجتهد للانتصار له، آملاً أن أكون مصيباً، أما الحدث السياسي بحد ذاته فأعتقد أن من المبكر جداً الخوض فيه.
<< تقول في أحد حواراتك “يجب أن يكون الكاتب لسان حال الناس” فهل استطعتَ أن تكون أميناً لهذه المقولة؟ وأية صعوبات تواجهها حين تفعل ذلك، خاصة وأن العمل الدرامي يقوم على عدة أطراف، منها المخرج والجهة الممولة، ومن ثم الجهة العارضة؟
<< بالطبع يجب أن يكون الكاتب لسان حال الناس، وإن اكتفى بأن يكون لسان حال الجهة الممولة أو العارضة لبات صانع إعلان وليس كاتباً درامياً.. لا ينكر أحد أن الممول والعارض يستطيع أن يضع شروطه، ويقدم الكاتب نتاجه بما يتوافق مع قناعاته ولا يتعارض مع شروط الممول والعارض.. في النهاية فإن العمل الدرامي عمل جماعي ربحي يجب أن يتقبل رأي الآخر، ولكن عندما تصبح شروط المموِّل والعارض إملاءات تتعارض مع قيم أساسية في توجه الكاتب فالأولى به البحث عن فرص أخرى لدى جهات يستطيع أن يقدم نفسه من خلالها بالشكل الصحيح، وأعتقد أن القطاع العام أهم مكان للفرص، فهو خالٍ من الشروط والإملاءات طالما أن البوصلة التي تحدثنا عنها سابقاً تشير للاتجاه الصحيح.
الكاتب أثناء التصوير
< يقال إن دور الكاتب ينتهي عندما يبدأ التصوير.. حدثنا عن علاقتك بالنص بعد أن يصبح بأيدي المخرج .
<< من تجربتي الشخصية أؤكد أن دوري لم ينتهِ في كل الأعمال التي قمتُ بتأليفها وتم إنتاجها حتى المراحل الأخيرة من أيام التصوير، فالواقع كان يفرض دوماً متغيرات بحاجة إلى الاستعانة بالكاتب من حيث تطوير بعض خطوط النص أو اختزالها، لكن عموماً يتقلص دور الكاتب كثيراً مع بدء التصوير ويصبح المشروع في عهدة الشركة المنتجة والمخرج.
< مارست العمل في الوسط الفني كمدير تصوير وإضاءة لسنوات طويلة وما لبثتَ بعد عدة سنوات أن أصبحتَ كاتباً، فما الذي أخذك إلى طريق الكتابة؟ وكيف انعكس إيجابياً عملك في مجال التصوير والإضاءة على موضوع الكتابة؟
<< مشروع الإنسان الذي تحدثت عنه هو ما ساقني إلى الكتابة، فقد تراكمت في داخلي عبر سنوات العمر والعمل الأفكار والمشاعر والكلمات حتى باتت بحاجة ملحة لإطلاقها، فكان التأليف الدرامي هو الأقرب لعالمي بحكم عملي كمدير تصوير وإضاءة.. تلك السنوات الجميلة التي قضيتُها في عالم تصميم الضوء منحتني المعرفة الواقعية القريبة لكيفية إنتاج نص تلفزيوني، وبالتالي أتى عملي الحالي مصقولاً ومعدّاً للإنتاج التلفزيوني وخالياً من الشطحات غير الواقعية ومدركاً لآلية عملية التعبير من خلال الصورة.
< بعد خوضك متأخراً لعملية الكتابة التليفزيونية كيف وجدتَ عملية الكتابة؟ هل هي تقنية خالصة يمكن لكل من يحاول أن يتعلمها ويجيدها؟ أم أنها موهبة قد تظهر في أي وقت؟
<< بالطبع الكتابة موهبة ككل الفنون الأخرى، والتعلّم يصقلها، لكن بغياب الموهبة يغيب الخيال والروح والإبداع لتصبح المادة المكتوبة جافة وخالية من الحياة، أما زمن ظهور الموهبة فهذا يخضع لعوامل حياتية بحتة، لكن بكل تأكيد هناك بذرة موجودة تنتظر أوانها وفرصتها لتخرج إلى النور.
أمينة عباس