“الخط والخطاطون في سورية” تسلط الضوء على تاج الفنون الإسلامية وأرقاها..
يشير التاريخ إلى أن الخط العربي هو سيد وتاج الفنون الإسلامية وأرقاها، يتمتع بمنزلة عالية ومكانة هامة في الإسلام كونه الفن الإبداعي الذي توّج الحضارة العربية والإسلامية، ويمتاز عن الخطوط الأخرى في تجاوزه لمهمته الأولى وهي نقل المعنى إلى السمة الجمالية، وهو مدين بذلك لارتباطه بالقرآن الكريم ،حيث ارتفعت منزلة الخط لارتفاع قداسة الكتاب، وسما الإبداع فيه بقدر ما سما الإيمان في نفوس المسلمين. بهذه المقدمة بدأت الباحثة إلهام محفوض أمينة متحف الخط العربي محاضرتها “الخط والخطاطون في سورية” التي ألقتها في ثقافي أبي رمانة، مشيرة إلى المكانة الكبيرة التي حظي بها الخطاطون بقولها: أجمع العلماء في كل العهود على أهمية تعلم أصول الكتابة العربية وقواعد الخط العربي باعتباره وسيلة تدوين ونسخ القرآن الكريم والحديث الشريف، فكان للخطاطين مكانة وكرامة كبيرة، وتحفظ لنا كتب الأدب والتاريخ أسماء عدد من الخطاطين ممن أغدقت عليهم النعوت الطيبة كما كانت الوظائف والمراتب العليا في الدول الإسلامية ودواوينها خاصة بالخطاطين.
أنواع الخط العربي
للخط العربي ستة أنواع رئيسية يأتي في مقدمتها – كما ذكرت محفوض- الخط الكوفي الذي يعتبر من أقدم الخطوط في بلاد العرب سمي بالكوفي بعد بناء الكوفة وانتشاره فيها وبلغ في العصر العباسي منزلة رفيعة حيث اعتنوا فيه وتفننوا في تجميل رسمه وصفته الرئيسية هي الخطوط الهندسية المستقيمة، ثم خط الثلث الذي يعتبر من أصعب الخطوط وأكثرها جمالاً وتعقيداً ولا يعتبر الخطاط خطاطاً إلا إذا أتقنه وهو أكثر الخطوط حركة ودقة في تكويناته الزخرفية ومحسناته الجمالية، وفي تركيب حروفه وتداخلها وهو الميزان الذي يوزن به إبداع الخطاط، أما خط النسخ وهو النوع الأساسي الذي استعمل لكتابة المصاحف الكريمة والأحاديث الشريفة ونقل الكتب ونسخها، وهو أكثر الخطوط التي نالت عناية وتطويراً واستعمالاً، ومن الخطوط الجميلة الخط الفارسي الذي تمتاز حروفه بالدقة والامتداد والسهولة والوضوح وانعدام التعقيد فيه، أيضاً هناك الخط الديواني الذي كان خاصاً بدواوين السلطنة العثمانية وقصورها وكان يستخدم في كتابة الأوامر والقرارات الملكية . وهناك خط الرقعة الذي كان يكتب على أوراق صغيرة تشبه الرقعة وهو الأساس الذي تنتمي إليه كتاباتنا التي نمارسها في حياتنا اليومية فهو يقوم على أبسط وأسهل التكوينات في توفير الوقت.
الخط في سورية
وعن الخط العربي في سورية أشارت محفوض إلى أن سورية التي ظهر فيها أول إبداع حضاري في أوغاريت باكتشاف لوح صغير لا يتجاوز السبعة سنتيمترات دونت عليه حروف أبجدية باللغة الكنعانية إحدى جذور اللغة العربية، سارت الكتابة العربية مع التاريخ حيث تطور الخط العربي في البقاع الواسعة التي شملها الانتشار الإسلامي، وتنوع وأصبح لكل نوع قواعد أساسية على الخطاط الجيد اتباعها بدقة متناهية وعدم تجاوزها، ورأت محفوض أنه عندما نتحدث عن الخط في سورية يجب أن نعود للعصر الأموي الذي أحرز الخط فيه تقدماً ملموساً عما قبل ونال الخطاطون في ذلك العصر حظوة لدى الأمراء وجعلوهم في صدارة مجالسهم، كما نال الخط العربي في سورية اهتماماً واسعاً حيث نبغ خطاطون تمثلت عبقريتهم بما أجادت به أناملهم من روائع جسدت ما تضم أذهانهم من ابتكار وتجديد وباتت النهضة المعاصرة في مسيرة الخط العربي في بلاد الشام بفضل الجهابذة الرواد من الخطاطين الذين قضوا في الدأب والعناية بتجويد الحرف العربي وتهذيبه والتفنن بوصفه وفي تركيبه. وذكرت محفوض بعض أسماء الرواد الذين شكلوا حركة النهضة العربية في فن الخط العربي أمثال موسى الجلبي ،أحمد الزيناتي، محمد صبحي البيلاني، ممدوح الشريف، سليم الحنفي وغيرهم.
متحف للخط العربي
كما وتطرقت محفوض إلى افتتاح المدرسة الجقمقية كمتحف للخط العربي، في عهد القائد الخالد حافظ الأسد، أثناء الاحتفال بذكرى عيد الجلاء عام 1974، والذي يضم شواهد إبداع الإنسان السوري ونماذج لأقدم الكتابات العربية وبعض المخطوطات. وختمت حديثها بالقول إن في سورية أسماء لها خصوصيتها وتفردها في الإبداع وما أحوج أجيالنا لأن تتذوق جمال الخط العربي وعذوبة انحناءاته وانزلاق رسومه خاصة في ظل الحاسوب الذي حل محل أنامل الخطاطين، لاسيما أن للخط بعده الوطني والقومي وتميز به خطاطونا في معارضهم المحلية والخارجية، والاهتمام بالخط العربي يمثل ضرورة ملحة لأنه يعبر عن هويتنا وانتمائنا لهذه الأرض العربية الكريمة.
لوردا فوزي