عبد الله أبو راشد في ندوة “الأربعاء التشكيلي”: النقد الفني لا يمكن أن يكون إلا إيجابياً ولو كان جارحاً
نحن بحاجة إلى ثقافة المحبة.. وما الاختلاف في الرأي إلا من عافية الثقافة ومن روحية الحوار الخلاق، والمجتمع الواعي لمسألة السلوك الإيجابي.. بهذا الكلام اختتم الناقد عبد الله أبو راشد بحثه الذي قدمه في ندوة الأربعاء التشكيلي، هذه الحوارية التشكيلية هي نوع من حوارات تدور في المراسم والمشاغل الفنية بين الفنان من جهة والعمل الفني، وبينه وبين أصدقائه الفنانين الذين يشاركونه الرأي والشأن التشكيلي ومشاغله، ففي الندوة النقدية التي عرض فيها الناقد أبو راشد بعضاً من جوانب تعريفه بالنقد الفني التشكيلي ونبش لأسئلة كانت في حكم الغائب وفي المبهم أو المنسي في ذهن الفنان المنتج للوحة، لا تعنيه بقدر ما تعني الناقد والمؤرخ والمنظر للفن إذا اعتبرنا أن الفنان التشكيلي معني باللوحة فقط إنتاجاً وتسويقاً كما الحال عند أغلب العاملين.
يعتبر أبو راشد أن النقد في تعريفه قيمة معيارية وهو من مبتكرات الإبداع الإنساني ومربوط بمجاله وموضوعه ومحتواه سواء كان أدبياً أو اجتماعياً أو فلسفياً أو تاريخياً وما سواه من العلوم والإنسانيات، وتتأتى خصوصية النقد الفني التشكيلي من وجوده وكيانه كبوتقة تجمع مجموعة المعطيات حول الفنان المنتج للوحة، واللوحة باعتبارها منتجاً، والمكان والزمان وآلية صناعة العمل وتقنياته، والنقد يحتاج أيضا لشخصية نقدية تتمتع بمواصفات ثقافية وروحية ترى بمنظار جديد ومختلف، كما يعتمد على تراكم من المهارات، والنقد ليس الانتقاد بمعنى التشهير أو انتقاص الشيء حقه بل هو من صيغ التفاعل والحوار بكل فعالياته، ويختلف عن الكتابة الفنية أو الصحفية. إنه إعادة رسم العمل بالكلمات، وبوصلة هداية للفنانين كي يروا أعمالهم وذاتهم الفنية في مرآة الآخرين “الناقد” الذي يتمتع بالبصر والبصيرة، والقدرة على التحليل والتركيب في مفردات العمل الفني، ويعتبر النقد ملكة فردية ومهارة عقلية، والنقد لا يمكن أن يكون إلا إيجابياً حتى لو كان جارحاً، فهو لا يحتمل الصداقة الزائفة، فالناقد هو المقابل الموضوعي للفنان وهو صاحب نص مواز للوحة.
يتألف العمل الفني من شكل ومضمون وتقنية واتجاه وخصوصية تجربة الفنان، وبالمقابل يجب أن يتمتع الفنان كما أسلفنا برؤية فلسفية وقدرة في النفاذ إلى المعنى، وشبه أبو راشد العملية أنه حين يزور الفنان في المرسم يتعرف إلى خبايا لم يكن يراها من قبل في المعرض، فهو مثل من يدخل مدينة يجهلها يبدأ بوضع نقاط للتعريف وهي بمثابة إحداثيات تعينه إلى التعرف وتكوين المعرفة من خلالها، والعمل الفني له قراءات متعددة من خارج النص البصري ومن داخله من حيث الدلالة والإيحاء والدخول في المتخيل الافتراضي لهذه العوالم، وبالتالي تحليل المحتوى، وهذه القراءة التي تؤدي على النقد الحقيقي.
وقد أثار الباحث العديد من الاستفسارات مما أضاف إلى الندوة حالة من التشاركية والاختلاف البنّاء، ومن المواضيع التي تطرق لها أبو راشد سؤاله الكبير عن وجود فن تشكيلي سوري ونقد تشكيلي سوري، لهما من المكانة العالمية اللائقة بسمعة سورية الثقافية والتاريخية الحضارية؟ وتحدث عن مفهوم المحلية والعالمية وقضايا الخصوصية والهوية. وطالب الناقد بتأسيس رؤية موحدة في النقد تعتمد المنهجية العلمية. وأشار إلى مسؤولية الفنانين الآن لجعل الفنون التشكيلية تجربة سورية خالصة تليق بسورية وحضارتها، في إشارة منه إلى عنوان تأكيد الهوية التشكيلية السورية التي تمتلك الذات والخصوصية، وطالب باستحضار الفن السوري القديم بصورة معاصرة وبإحساس مسؤول لشرط الزمان والمكان، ولن نكون عالميين إلا بقدر ما نكون محليين، واعتبر أن الفنون الجميلة التي نملك تختلف عن الفنون التطبيقية أو الشعبية، وأردف أن لمسة فن سوري يجب أن تكون في الخارطة العالمية، وخاطب الفنانين: “مالم تكن في بلدك نقطة مضيئة ومهمة لن تكون في لوحة العالم نقطة مهمة”.
وقد أشار الناقد أبو راشد إلى فضائل الصحافة المكتوبة على الفن التشكيلي وأشاد بمجلة الحياة التشكيلية التي تعتبر معرفياً من أعدادها الأولى والتي تحظى باهتمام النقاد والفنانين والباحثين العرب، وطالب برفع مستوى طموحاتنا الفنية وتأسيس جمعية للنقد الفني في اتحاد الفنانين التشكيليين، كما أكد ذلك أمين سر الاتحاد مطالباً بوجود ناقد مختص في الصحف اليومية والمطبوعات التي تعنى بقضايا الفن التشكيلي.
أكسم طلاع