قراءة في مجموعة “سقوط الراء” للشاعر دريد أكرم زينو
عندما يدخل الشاعر شرنقته ويعزل نفسه عن الكون، يهيم في آفاق الحياة بحثاً عن سرٍّ من أسرار الوجود، يعود إلى نفسه ويكتبُ بقلمٍ مداده من دم القلب: أن “المحبّة” هي ذلك السرُّ العظيم.. فمارسوها بشغفٍ واسكروا بخمرها حتى الثمالة..
هي كلمةٌ إذن؟ مؤلفة من حروفٍ إن تُرِكَتْ على الصفحات ماتت، وإن تحوّلت إلى فعلٍ استمرّ الوجود إلى يوم الخلود، عابرةً كل أزمان الحياة، لاعبةً في كل زمنٍ دورها المأمول.. وفي زمنِ الحرب تتعدد الأدوات والأسلحة، وكل إنسان يستخدم الأداة أو السلاح الذي يناسبه لعبورِ ويلاتها ومآسيها، وأخطر هذه الأسلحة فتكاً في النفوس هو سلاح “الكلمة” تلك الكلمة التي إذا انغرست في العقل، تحوّلت إلى قناعةٍ، والقناعة إلى إيمانٍ، والإيمان إلى إرادةٍ، والإرادة إلى فعلٍ، إيجابي أو سلبي وفقاً لما تعنيه الكلمة.
وككل الناس آثر الشاعر دريد أكرم زينو الاشتراك بسلاحه الذي يتقنه وهو “القلم” في صياغة كلمته، غير مكترثٍ بالشكل، وبذل ما يستطيعُ في اختيار كلماته الحساسة محاولةً منهُ للوصول بالقارئ إلى المحسوس، ورَسمِ منظرٍ مركّبٍ، يظهر أمامه واضحاً، يشتمُّ رائحتهُ فينحني معهُ لالتقاط ياسمين الشام من على أرصفة الخراب والقلوب الحزينة.. التفاصيلُ في ما مضى ضرورة لتمكن المرء من رسم صورة الماضي بما يقرّب المتخيّل منه ليكون واضح المعالم .. والاختزال في وصف المُعاش من الحياة، بلاغةٌ تكثف الصورة لتبدو كومضةِ ضوءٍ في ليلٍ مدلهمّ، لتمدنا بالأمل دائماً، والذي هو أحد أسرار استمرارية الحياة، فـ “لولا الأمل، بطل العمل” كما قال الأقدمون، ولا خيار في ذلك فهو قادمٌ، ولو ببزوغ الشمس من محفظةِ طفلٍ مدرسية، أو زرٍ بمريولٍ أزرق ..
قد يصحّ بأن أقانيم الوجود هي: الإيمان، المحبّة، والأمل، مضافاً إليها “الصمود” الذي تجلىّ على أرض الواقع في زمن الحرب هذا، والذي أسّسَ لهُ حذاء ذلك الجندي الذي “يرتقي لننام” مطمئنين رغم أنف أعراب الجزيرة والخليج ومن لف لفّهم، ألم يدركوا بعد أننا “في دمشق.. نحنُ لا نموت.. نحنُ فقط نتعثرُّ بأسباب الحياة.. فنسقطُ نحو السماء”.
الشاعر دريد أكرم زينو، قدّم في باكورة أعماله نصوصاً، جهد فيها لإسقاط الراء من اسم الحرب، الذي شاع هذه الأيام، وشارك قافلة الشعراء بصنع “سفينة نوحٍ” جديدة، أشرعتها من “نواح البيوت المهجورة” لإنقاذ من سيشارك طائر الفينيق بالتحليق من جديد، ليتحقق الحلم، ما يذكرنا بقول فيروز: “غمر الطوفان الأرض .. وعمّروها اللي بقيو”.. فلا راء الحرب باقيةً ولا نون الياسمين زائلة، فعناق دمشق والياسمين بحبٍ دائمٌ .. دائمْ، رغم القذائف ورائحة الموت .. دمشقُ والياسمين .. قارورة عطرٍ سرمديّة ..
حسين أديب عبود