ثقافة

التشكيليون عطار وصابور وناصر وبيطار .. تجارب تؤكد حضورها وتغني

تختلف التجارب التشكيلية فيما بينها في المستوى، وحدود التقنية والمعالجة، وتتفق على المقاصد من المشاركة الجماعية التي تحقق عافية الحياة، وتؤكد دورها الرديف والجمالي كمعزز لوجود الفن وتأكيد دوره، في معرض مهما كانت الاختلافات الفنية واضحة فهي جزء من العافية والتنوع والغنى لجهة الوظيفة والدور المنوط بأي  نشاط ثقافي وفني، في وقت ينشط فيه المتفائلون بصناعة الحياة على توسيع رقعة البياض وتألق معناه في عالم لا وجود فيه للعابرين واليائسين..
ثلاث تجارب فنية في صالة الشعب للفنون الجميلة، “صالة اتحاد الفنانين التشكيليين”، التجربة الأولى للفنانة عناية بخاري تصر على حضورها الفني من خلال معارضها التي أقيمت في دمشق أو غيرها من المحافظات السورية، فقد عرضت في العام الماضي لوحاتها الطباعية المشغولة بتقنية الشاشة الحريرية، والآن تتجدد تجربتها من خلال ما قدمته في هذا المعرض الجديد، من أعمال بالحبر الأسود وتدرجات انحلاله التي تعطي طيفاً واسعاً من الرماديات، التي تتجه نحو العفوية بالمستوى الأول للتقنية، ومن ثم تتدخل يد الفنانة بقصدية العارف، لتجعل من الصدفة أثراً ممكناً وصورة تقارب الواقع وتجسد شاعريته، ومثل هذه الأعمال تقارب النيرفانا والمُثل والرسومات الآسيوية التي تنفذ على الحرير والورق المقوى المبلل، كما تقارب في الأداء روحية فن “الايبرو”، مع الملاحظة هنا أن اللون الأسود هو الوحيد المستعمل من بين جملة الأحبار التي تستخدم في هذا الفن الذي يعنى بتلوين الورق، والدور هو أساس لبيان الظل والنور وتدرجاته وفق المنظر الطبيعي الذي ترسمه الفنانة بلغة التأليف والشاعرية من خلال متممات تدخلها على سطح العمل لتجعله ناطقاً ببساطة المعنى المراد وهو الطبيعة وتجلياتها في النفس.
في التجربة الثانية نلحظ اختزال المشهد وتفاصيله الوجودية في حركة الألوان وضربات الفرشاة باتجاه تجسيد أبعد من المشهد والنحو منحى التعبير عما تراه النفس وتختزنه من عاطفة أمام الأماكن والطبيعة والمفردات اليومية العابرة، إنها أعمال الفنان الشاب رامي صابور الشغوف بالألوان المنسجمة في جملة تفيض بالحركة والنشاط مع غياب للخط المحدد لأي شكل في اللوحة.
الفنان رامي صابور متمكن من إخراج لوحة بتكوين ولغة ملونة بتعبيرية درج على شغلها العديد من الفنانين السوريين، وهي الدهشة المبسطة القائمة على إيقاعات اللون المتناغمة على سطح اللوحة المشبع بدسامة اللون وعجينته، ما يخدم إظهار جانب من حركة الفرشاة وضرباتها، على حساب الموضوع الذي لا يراعى اهتماماً بقدر العناية بالتقنية، فالعرض التقني هو المادة الفنية، وهو أساس العمل الفني لما يحمل من مغامرة في المادة والتجربة أكثر مما تحتمله الفكرة واشراقاتها الأدبية.
التجربة الجديدة هي للفنان بسام ناصر بأعماله الوادعة التي تخاطبنا ببساطة الأديب، المرأة هي العنصر الأثير هنا، ولا نجد لوحة تخلو من وجودها، فهي العنصر الأساس وهي الموضوع الأهم، تحتل المساحة الأكبر من العمل، ويرافقها عنصر داعم مثل السمكة والزهرة والزجاجة، جميعها عناصر أنثوية الشكل والمعنى، قدمها الفنان بلغة قاربت لغة الأدب، وذلك يتضح في بعض الحالات الكاريكاتورية للبورتريه، ما جعل من اللوحات تغازل الموتيف الملون، تميزت أعمال الفنان بالشاعرية وحضور الخط المحدد للعنصر المرسوم دون الولوج في مغامرات اللون والتقنية، هو ببساطة فنان قدم جملة بسيطة وجميلة تستحق الثناء، والإشارة إلى أن توقيعه أسفل اللوحة، وإن كان كبيراً بحجمه وغريباً عن اللوحة ومرتجل، فلم يضف شيئاً بقدر حضور شخصه المحبب أثناء المعرض.

جهيدة بيطار في الآرت هاوس
وتعرفنا بالفنانة بيطار خلال ملتقى التصوير والنحت الذي أقيم العام الماضي في قلعة دمشق ورعته وزارة الثقافة، حيث تم انتقاء عدد من خريجي كلية الفنون الجدد للمشاركة، وكان نصيب الفنانة جهيدة المشاركة في ذلك الملتقى، وقد تميزت بنشاط واضح، وسرعة في إنجاز أعمالها، فضلاً عما تتمتع به من ثقة أثناء تنفيذ اللوحة، فهي ترسم طريقاً قصيراً لا يحتمل التجريب، متمكنة من أدواتها كمصورة لمواضيع يحتل الإنسان مساحتها، وهنا في معرضها الجديد حيث عرضت أعمالاً من الحجم الكبير، ما يزيد من الدهشة والاعتراف بمقدرة الشابة على الدخول معترك إنتاج اللوحة بثقة اتضحت خلال معرضها في “الآرت هاوس”، فقد تعددت المواضيع المطروحة في أعمالها وقدمت شخصيتها الفنية التي تنحو منحى التعبيرية في التصوير، فيها مهارة الاختزال والتصوير والتصويب بعين المراقب على المشهد الذي تؤلفه، بروح لا تخلو من نقدية مبطنة لمظاهر اجتماعية ونسوية، في مناخ لوني بعيد عن الغنائية والتزيين، ما خلا بعض اللوحات التي تنحو منحى التجريد والمغامرة التشكيلية، ومن الملاحظ استخدام الرمل لتحقيق السطح الخشن لبعض جوانب اللوحة بهدف إغناء التأثير في العمل من حيث التقنية المبسطة.. جهيدة بيطار فنانة ننتظر منها المزيد الرافد للمنتج التشكيلي السوري والشاب خصوصاً.
أكسم طلاّع