ثقافة

في ندوة التراث الثقافي السوري التركيز على قضايا الحفاظ والاستدامة

يوماً بعد يوم تطفو أهمية التراث على سطح أولويات المجتمع السوري الذي يعاني أزمة أرخت كاهلها على كل مفاصله، بما فيها التراث الذي يشكّل هوية الشعوب، ويختصر حكايات من الحضارة والإنجاز والانتماء، وهو يتعرض بشقيه المادي واللامادي لمجموعة انتهاكات تسعى إلى طمس معالمه، ما يستدعي ضرورة اتخاذ إجراءات لصونه وحمايته من قبل كافة المؤسسات المعنية، واحتفالاً باليوم العالمي للتراث أقيمت أيام التراث السوري برعاية وزير الثقافة الأستاذ عصام خليل، ومديرية التراث الشعبي، وتضمنت ندوة ثقافية تراثية أقيمت على مدى يومين، حيث تناولت في يومها الأول عدة محاور متعلقة بالتراث الثقافي، فابتدأت الجلسة الأولى بمداخلة للدكتور نضال غنام حسن، أمين عام اللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم، تحدث من خلالها عن اللجنة باعتبارها هيئة وطنية في وزارة التربية، تأتي أهميتها بوصفها نافذة سورية على العالم ومن أهمية المهام المنوطة، وتزويد مؤسساتنا بكل ما هو جديد.

اليونسكو والتراث السوري
وفيما يخص منظمة اليونسكو فقد ذكر حسن أنها منظمة دولية تعمل على بناء حصون السلام، والتقيد بحقوق الإنسان، وإطلاق الحوار بين الحضارات، وتعنى بتنمية الوعي بأهمية التراث، وقد أولت اليونسكو التراث السوري وحمايته اهتماماً خاصاً، وبدأت بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي بتنفيذ برامج خطة كبيرة من خلال جمع المعلومات حول التراث، وزيادة الوعي بالضرر الذي لحق به، وتقديم المساعدة الفنية لحمايته من خلال الخطة التي ركزت على ضرورة توثيق ما يحصل في سورية، وتوعية السوريين بأهمية تراثهم وحفظه وحمايته.

المناهج والثقافة
كما تحدث د. فرح المطلق، معاون وزير التربية، في مداخلته عن “المناهج التربوية ودورها في التوعية بأهمية المصادر الثقافية التراثية”، وعن المدرسة كضرورة اجتماعية في حياة الناس، وأنه من الواجبات الأولى في رسالة المدرسة تزويد التلاميذ بالقسط المناسب من الثقافة في سبيل إعدادهم للحياة، ما رتب على التطور في الثقافة وتعريفها تغيير مفهوم المنهاج وأهدافه.
وفي ضوء عملية التغيير الثقافي لخص د. المطلق دور المنهاج المدرسي وفق ما يأتي: أن يكون مرناً وقابلاً للتعديل، وأن ينقل الإرث الثقافي إلى الأجيال المتتابعة، مع ضرورة فحص التراث وتحليله ونقده وانتقاء المفيد منه وتقديمه من خلال المنهاج، وأن يزود المنهاج المتعلمين بمعارف وخبرات ومهارات تاريخية وثقافية تعزز شعور الانتماء.
الهوية والعولمة
من جهته استهل الدكتور علي القيم، محاضرته: “التراث الثقافي بين الهوية الوطنية والعولمة” بالقول: إن الثقافة تتأثر بظروف المجتمع المتغيرة، ما يفرض علينا تطوير العمل الثقافي الذي  يتسم بحرية التفكير، والانفتاح على الثقافات، دون إغفال ما تهدف إليه العولمة من هيمنة، مع  الابتعاد عن العزلة والتقوقع الثقافي، والعمل على المحافظة على مقومات الثقافة الوطنية الأصيلة، ما يطرح مشكلة تواجه الثقافة العربية حول مدى إمكانية التصدي للتحديات الثقافية لتشكيل وعي ثقافي يحافظ على أصالته.

أهمية الكتاب
وابتدأت الجلسة الثانية بمداخلة للدكتور جهاد بكفلوني، المدير العام للهيئة العامة للكتاب، عن دور الهيئة في حفظ التراث الثقافي غير المادي،  تحدث من خلالها عن قيمة الكتاب الذي يراه حديقة  أفكار تسيّج الثقافة والمعرفة الإنسانية وتمنعها من النسيان، وهو الذي يحتوي الفكر لينتقل من جيل إلى آخر، واعتبر أن العلاقة العاطفية التي تنشأ بين الكتاب وقارئه كالعلاقة بين الوردة الطبيعية والإنسان لا غنى عنها، لذلك لا خوف على الكتاب، ورأى بكفلوني أن وزارة الثقافة قدمت الدعم الكبير في مجال حفظ التراث، وأعرب عن إيمانه بقدرة أبناء سورية على استرداد القطع الأثرية السورية النادرة التي سُرقت وإعادة بنائها، وأوضح أن الهيئة تقدر الفكر والمفكرين وترحب بهم، وهي التي تبادر للتواصل والتعاون معهم.

إجراءات وتراث
وتحت عنوان: “أهمية الحفاظ على التراث الثقافي بشقيه المادي وغير المادي”، تحدث الدكتور مأمون عبد الكريم، المدير العام للمديرية العامة للآثار والمتاحف، عن حماية وتوثيق التراث، بالتركيز على مختلف أنواع الأضرار التي لحقت بالتراث الثقافي السوري، وكيفية التعاطي مع هذه الأنواع ومجابهتها لتخفيف حجمها على كل المستويات، ونوّه إلى أن التجربة السورية في حماية الآثار أصبحت تجربة عالمية في الحفاظ على الذاكرة والهوية، ولفت إلى أن إجراءات المديرية في الحفاظ على التراث شملت نقل القطع الأثرية إلى أماكن آمنة، وتحصين المتاحف، والتوثيق الالكتروني للقطع الأثرية والأرشفة، والتواصل مع المنظمات الدولية ذات العلاقة بالتراث، والتواصل مع المجتمع المحلي لحماية القطع الأثرية.

صون واستدامة
واختتمت الندوة بمداخلة الدكتور طلال معلا، ممثل الأمانة السورية للتنمية، أوضح من خلالها أن ما لحق بالتراث الثقافي غير المادي لا يقل ضرراً عما لحق بالتراث المادي، وإذا كنا نستطيع أن نحصل على القطع المسروقة، فغياب حامل العنصر اللامادي يؤدي إلى غيابه كلياً، وهذا أمر مؤسف، خاصة أنه ليس هناك بنى مؤسساتية قادرة على القيام بواجباتها، ونوّه إلى أن اتفاقية صون التراث الثقافي اللامادي لم يكن هدفها حماية التراث فقط، بل وصونه أيضاً، وميّز معلا بينهما بالقول إن الحماية هي بناء حواجز حول بناء وعزله عن سياقه، والحد من قيمته الاجتماعية، أما الصون فغايته الحفاظ على طابعه الحي وقيمته ووظيفته.

التراث الثقافي والهوية
وحول تكريس وتعزيز مفهوم التراث الثقافي من خلال الإطلاع على الواقع الراهن والتحديات المفروضة ووضع الخطط والبرامج الهادفة إلى التنمية بعقلانية ومنطقية بدأت جلسات اليوم الثاني للندوة حيث قدم  الدكتور هاني الخوري مداخلة “التراث الثقافي غير المادي وأثره في تشكيل الهوية والانتماء” أشار من خلالها  إلى أن الهوية مسؤولية مجتمعية ثقافية نخبوية معقدة تتطلب انفتاحاً بعيداً عن التشوهات والرواسب تحتاج لجهد مجتمعي نوعي في إطار مشروع وطني في ظل ما يشهده العالم اليوم من تحديات ثقافية وانفتاح وتقدم تكنولوجي قد يؤثر على الهوية الثقافية للمجتمع، فالعولمة الثقافية باشرت بتأثيراتها على الجيل الجديد ولذا بدأت بعض الدول تخشى على موروثها التاريخي والثقافي ،ونوه إلى أن المؤسسات التربوية مطالبة بالحفاظ على ثقافة المواطنين المعرضة للتدهور والاندثار من أجل تأكيد الهوية الثقافية للمجتمع.

بحث وتوثيق
وفي مداخلته اعتبر الدكتور عمار النهار أن التنمية يجب أن تعد معركة وطنية وعلينا طرح قضية الثقافة على أسس وطنية من خلال التطور الاجتماعي، ونوه إلى  وجود معوقات  للتنمية في العالم الثالث فهي محاطة بقيود سياسية واجتماعية ومعوقات أخرى مرتبطة بالأصالة والحداثة، وأشار إلى أن جزءاً كبيراً من تراث سورية اللامادي ما زال خارج دائرة التوثيق مما ينذر بتهديد حقيقي لهذه الذاكرة الحضارية الخصبة.
وعرض النهار لمجموعة مقترحات لحماية التراث كتجديد التصورات الأدبية والعلمية حول الثقافات وإقامة معاهد خاصة لكل حرفة وشراء إنتاج أصحاب الحرف وإقامة المعارض  والندوات المستمرة وإنشاء مشروع القرية التراثية.

المجتمع الأهلي
من جانبه تحدث الدكتور محمد سعيد الحلبي عن “المجتمع الأهلي ومؤسساته ومنهجية الحفاظ على التراث الثقافي من خلال عدة محاور كالتعريف بالمجتمع الأهلي التطوعي بشكل عام والأدوار والمهام التي يقوم بها في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية في سورية، والتعريف بمفهوم التراث الثقافي العالمي والإنساني والتعريف بجمعية أصدقاء دمشق باعتبارها نموذجاً رائداً لدور المجتمع الأهلي  التطوعي في المحافظة على التراث الثقافي  ودورها في وضع دمشق القديمة ضمن لائحة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو..

دور الترميم
وأما فيما يخص “الترميم المنهجي ودوره في الحفاظ على التراث” فقد أشار الدكتور غياث كلسلي إلى أن الترميم هو إصلاح وعلاج ما تلف من أشياء مادية لها قيمة جمالية أو نفعية أو تراثية، وهو واجب أساسي كما أقرت المواثيق الدولية، ولفت إلى أن علم الترميم انتشر في سورية مع مطلع القرن العشرين،كما ذكر أنه قبل القيام بالترميم يجب على المرمم القيام بإتباع منهجية ترميمية معترف عليها دولياً.

علم التراث
من جانبه تناول محمد الفياض “نشأة علم الحفاظ على التراث ونظرياته”معتبراً أنه  لايمكن لأحد نسبه لعصر أو تاريخ، فحتى المجتمعات القديمة كان لديها طرق لصون تراثها. وتحدث الفياض عن بعض التجارب العالمية في صون التراث.

المنهجية المستدامة
وختمت الندوة بمحاضرة الدكتور سهيل الملاذي “التراث الثقافي غير المادي والمنهجية المستدامة” الذي لفت إلى أنه ليس هناك تناقض بين الحداثة والتراث فمن الممكن الارتقاء بالتراث ليواكب العصر الحديث بعقلانية ورؤية عصرية ،واعتبر أن حماية التراث اللامادي له خصوصيته في سورية فهي لها دور كبير في إنتاج الحضارة الإنسانية  كما أنها من أوائل الدول التي صادقت على اتفاقية صون التراث.
لوردا فوزي