عمر سرميني في دار الأوبرا.. عودة إلى الموشح السبعاوي بصوته المتناغم
“حلب سيدة الموشحات” هكذا قيل عن هذه المدينة العريقة التي غدت موطناً للموسيقا والغناء،واحتضنت فنّ الموشحات بعدما تمكّن ملحنوها من تطويرها بتقطيع الإيقاع الغنائي،وقد قدم أمير الارتجال -كما لُقب- الفنان عمر سرميني من مدرسة عمر البطش أمسية غنائية على مسرح الأوبرا في دمشق بصوته المتناغم بتصاعد وخفوت مع تلوّن الجمل اللحنية وخصوصية الآهات والليالي والمتصف بالقوة الممتزجة بحنية واضحة. سرميني المتجذر في حلب غنى لجراحها النازفة “عالروزانا يا رايحين ع حلب” مع وصلة موشحات جهار كاه وقدود حلبية وقصائد،وتميّزت الأمسية بالموشح السبعاوي الذي يغنيه المطربون الحلبيون فقط، انتقل سرميني في ختامها إلى الأجواء الحماسية بغنائه “الأرض بتتكلم عربي،ومن حطين بترد على قدس فلسطين”. بمرافقة فرقة طرب -دهب بقيادة الموسيقي براق تناري.
“البعث” التقت الفنان عمر سرميني الذي بدأ حديثه عن الموشحات وهي مجموعة قصائد باللغة العربية الفصحى، وتتصف بألحان كلاسيكية تعبّر عن مشاعر الاشتياق وتحمل طابع التغزل بالمحبوب،وأضاف أنه في هذه الأمسية تمّ اختيار وصلة موشحات جهار كاه مثل (كللي وأنت سلطان الملاح إلى مجموعة قدود حلبية جهار كاه مثل وحياة عيني وقدود بيات مثل آه ياحلو،وزمان زمان،وعالهيلا مع الموشح السبعاوي وقصائد ودور أصل الغرام نظرة ودور يللي تشكي من الهوى)،وتابع حديثه عن هذا اللون الغنائي الطربي الذي يتطلب من المطرب ليونة وانسيابية والتمكن من الصولفيج ويحتاج إلى حفظ الكثير من التراث الغنائي ليمتلك القدرة على الارتجال الآني وعلى توظيف صوته بشكل جيد لتأدية هذا اللون الصعب ،لاسيما الموشح السبعاوي الذي يتسم بقالب خاص وبالاعتماد على الآهات وياعيني وتبدأ القصيدة بالليالي حتى يصل المطرب مع المستمعين إلى درجة السلطنة.
وشاركنا الحديث الموسيقي براق تناري قائد فرقة “طرب دهب” التي تشكّلت من 42 عازفاً من أساتذة الموسيقا بينهم 12 عازفاً جاؤوا من حلب لإحياء هذه الأمسية الطربية بامتياز كما وصفها براق،وفيها مواويل وموشحات وقصائد،وتوقف عند الموشح السبعاوي الذي تمتاز به حلب ويتألف من قافيتن:الأولى في البيت الأول والثاني والثالث،والثانية في الرابع والخامس والسادس ثم تعود القافية الأولى في البيت السابع،والأمر اللافت أن المفردة تتكرر وتختلف بالمعنى واللحن.وتعتمد طرب –دهب على الآلات الشرقية والكونترباص والتشيللو والآلات الإيقاعية والكمنجات معتمدة أيضاً على آلات قديمة جداً مثل الدنكوز والدهولا مستبعدة جميع أنواع الآلات الكهربائية بغية الحفاظ على الأصالة.وتابع براق حديثه عن التقاسيم المنفردة على الناي والعود والقانون والكمان والتي تظهر جمالية وخصوصية كل آلة فتقسيم القانون على جهار كاه،والعود على الرصد والكمنجة على البيات،وأفردت مساحة أيضاً للرومبا على الأوكرديون. الأمر اللافت أيضاً في الأمسية المعزوفة الموسيقية “الربيع” للمؤلف حسان تناري،وهو من أشهر عازفي القانون وكان رئيس فرقة صباح فخري طيلة ستة عشر عاماً وهي معزوفة تحاكي جميع الآلات الشرقية الموجودة في أية فرقة،لأنها كما ذكر براق تعتمد على (الصولات) قدمت للمرة الأولى عام 1986 وأعادت عزفها طرب دهب للمرة الثانية.
وكان للكورال دور أيضاً بالاشتراك بجزء من الأداء الغنائي للمطرب لاسيما بغناء الأدوار في الموشحات بمشاركة لينا شاهين وسارة يوسف التي اشتغلت سابقاً مع صفوان العابد ومصطفى هلال،وتحدثت عن التراث الحلبي الذي يعدّ أساس الغناء السوري مؤكدة أن الأغنية السورية تنبثق من أصالة الموشحات من مدرسة عمر البطش وصباح فخري،والمطرب الذي يؤدي هذا اللون الطربي الصعب يصبح قادراً على تأدية أيّ لون غنائي.
ملده شويكاني