ثقافة

شاعر الياسمين الغائب الحاضر .. اقترن اسمه باسم سورية

من المرات القلائل التي رأيت فيها صالة من صالات المراكز الثقافية تغص بجمهورها كما حصل هذه المرة. كيف لا والمحتفى به هو شاعر الياسمين نزار قباني ابن دمشق، ذلك العاشق الذي لطالما تغنى بها وحمل هموم بلده سورية وهموم الوطن العربي، من هنا كان لابد من استذكاره في مناسبة رحيله من خلال الندوة التي حملت عنوان “نزار قباني الغائب الحاضر” التي استضافها ثقافي “أبو رمانة” وسبقها افتتاح معرض  للصور الضوئية يوثق مراحل ومحطات عديدة في حياة الشاعر نزار قباني.
بداية الندوة التي أدارها مدير ثقافة دمشق بسام عاقلة كانت مع الإعلامية إلهام سلطان التي أكدت على اقتران اسم الشاعر نزار قباني بسورية ودمشق، لأن هذا الشاعر عشق الوطن حتى الثمالة وذاب بين ذرات ترابه وحلّق مع حمامه، معتبرة أن الحديث عنه يطول لأنه حكايا عشق وحديث عن أسطورة في الشعر، ارتبط اسمه بالشام التي ولد من رحم ياسمينها في بيت سماه “قارورة العطر”. كما تحدثت سلطان عن تأثير عائلة نزار على شخصيته وإبداعه، فقد أعطى جده أبو خليل القباني لشخصيته الكثير من العمق والتفرد، كذلك كانت أمه الملهم الروحي لإبداعه، كما تناولت سلطان في مداخلتها العديد من قصائده في دمشق وفي جميع المناسبات الوطنية، حيث كان النبض الذي لا يستكين، وكان جزءاً من التاريخ الثقافي والحضاري لسورية، ودعمت سلطان جميع الأفكار التي قدمتها بالأمثلة الشعرية من قصائد قباني، لتصل في نهاية مشاركتها إلى ساعة رحيل قباني عندما ذبل الياسمين وفقدت سورية والأمة العربية شاعراً كبيراً قدم لوطنه دون حدود.

ظُلم نقدياً
ورأى غسان كلاس في مشاركته أن نزار قباني بما قدمه استطاع أن يلامس همومنا ويشرح مشكلاتنا، واستطاع بشكل أو بآخر أن يعبّر عنا رجالاً ونساء وأطفالاً وأوطاناً، معتبراً أن الحديث عن نزار قباني يكتسب أهمية كبيرة، لاسيما في ظروفنا التي نعيشها، هذه الظروف القاسية التي استشرفها قباني في شعره لأنه كان شاعراً معجوناً بالوطنية ومحاربة الفساد، يعيش حالة من الصدق والشفافية مع ذاته وأسرته ووطنه وتجسد ذلك في سعيه دوماً لتكريس الخير الذي تربى عليه وتعوده.
كما تحدث كلاس من خلال الأمثلة التي قدمها من قصائد قباني عن دور ذلك الشاعر، الذي حارب الفساد الاجتماعي، وانتقد العادات والتقاليد البالية ووضع النقاط على الحروف، بتعرية الأنظمة العربية الرجعية، واستخدام النفط لشقاء الأمة بدل أن يكون لخيرها، كما برز حسه الوطني والقومي وألمه لما يحدث في بلده وفي الوطن العربي. كما أشار كلاس إلى أن نزار قباني إلى اليوم لم يعط حقه نقدياً ولم يدرس شعره كما يجب، وحتى الآن تعلق في أذهان الكثيرين صورته على أنه فقط شاعر الغزل والمرأة، مشدداً على ضرورة أن  يدرس شعره في القضايا الإنسانية والقومية والوطنية والتي يزيد شعره فيها عن شعره في المرأة .
تلت الندوة قصيدة للشاعر نزار قباني ألقتها الطفلة شام كوران، لتأتي لاحقاً بعض المداخلات من قبل الحضور، وفيها أضاف الناقد أحمد بوبس لما طُرح أن نزار قباني قدم نفسه كناقد فني خلال معرضين لشقيقه صباح.
وأكد د. كامل قداح أهمية الحديث عن المبدعين السوريين الوطنيين ومنهم نزار خصوصاً في هذه الظروف التي تعيشها أمتنا العربية والإسلامية والتي أظهرت بوضوح الإنسان الوطني الحقيقي من سواه.
كما قدم الناقد أحمد هلال مداخلة تحدث فيها عن نزار قباني الشاعر السوري بامتياز، وليس شاعر الحب والمرأة، كما ذهب إليه بعض النقاد، مؤكداً ما ذهب إليه غسان كلاس من أن قباني ظلم نقدياً، فقد كان شاعراً رائياً مخترقاً للغة، وعابراً للأجيال والأزمان، أتى من المستقبل وليس من الماضي، وعلى النقاد أن يقرؤوا الروح السورية في شعره والتي تمتد لأكثر من 10 آلاف عام من الحضارة.
جلال نديم صالح