الفنان طلال معلا في ندوة الأربعاء التشكيلي: سلطة الأكاديمية أفقدت المحترف السوري عفويته.. والثقافة الرقمية أفرزت فنوناً مواكبة لها..
بدون عنوان مسبق للمحاضرة أو اللقاء الذي جمع الفنان والباحث طلال معلا بزملائه الفنانين في ندوة الأربعاء التشكيلي، حيث أغنى وجوده المثقف والصديق جوانب الحوار والنقاشات التي تبعت الجلسة التي افتتحت بترحيب بالفنان معلا، قدمه الفنان أنور الرحبي، أمين سر اتحاد الفنانين التشكيليين، معرفاً بطلال معلا على أنه أحد الأصوات الحاضرة في الثقافة السورية والعربية، وهو الباحث في المجال البصري والجمالي، له مؤلفات عديدة في النقد والكتابة التشكيلية.
تُعرف عن الفنان طلال معلا خبرته في بينالي الشارقة الدولي كأحد مؤسسي الحركة التشكيلية في الإمارات العربية المتحدة مع رفيقه الراحل مصطفى الصمودي، وقد عاش “مغرّباً” قرابة الربع قرن هناك، وكثيراً ما أقلقه حال المُحترف السوري وموقعه بين المحترفات العربية والعالمية، هو قلق على تمثيل الفنان السوري في تلك الفترة من التسعينيات في مناخ من التوازنات في التمثيل العربي والدولي في البينالي، حيث يشارك 60% من الفنانين العرب مقابل 40% من الأجانب بهدف استقطاب الفنان العربي، وبالمقابل تتم دعوة النقاد ومؤرخي الفن الأجانب بنسبة 70% منهم، مقابل النقاد العرب بغاية تعريف العالم بالفن التشكيلي المعاصر عند العرب، وليتمكن العالم الغربي من معرفة أن لهذه المنطقة من العالم فنونها الهامة في الخارطة الدولية، ومن المؤلم أن الفن التشكيلي السوري الذي يتميز عن مجموع المحترفات العربية لم يكن حاضراً بمستواه وكان غائباً عن دوره، وقد كان الهم الأكبر عند الفنان معلا أن يحقق لهذا المحترف حضوره في البينالي، وبالفعل فقد أقيم معرض للفن السوري آنذاك وكرم من النقاد أسعد عرابي وعفيف بهنسي وغيرهم من الفنانين الذين تمت دعوتهم.
ويروي الفنان معلا عن معاناته في اغترابه عن الوطن وهمه في استحضار المحترف السوري والتجربة التشكيلية السورية لتكون حاضرة في الملتقيات الفكرية والندوات الموازية لفعاليات بينالي الشارقة الدولي، فقد آثر غياب مشاركته كفنان سوري ليقدم الآخرين من أبناء وطنه وليخلق الفرصة اللائقة لهم، وهذا ما يتمتع به الفنان والإنسان معلا من تفوق على الذات وإنكار لها لصالح قيمة يؤمن بها، ويذكر أنه عايش ذلك الهم من خلال تجمع فناني الرقة قبل ثلاثين عاماً، حين كانت العاصمة تحتكر مجمل النشاطات الفنية آنذاك، وكيف استطاع تجمع الفنانين بإرادة العمل الجماعي من تحقيق نتائج طيبة.
محترف وليس حركة تشكيلية
ويستطرد الفنان معلا في الحديث عن الفن السوري حين يتساءل عن الإبداع السوري في المجال التشكيلي، ووقوفه في دائرة يعيش بها دون الخروج إلى الأرحب منها، مصراً على تسمية الموجود الفني التشكيلي بالمحترف السوري بدلاً عن حركة تشكيل سوري، وذلك لغياب التكامل في الحركة وانفصال أطرافها من صالات وأنشطة وأدوات نشر وإعلام وبنى تحتية تخدم الحركة التشكيلية الموصوفة في المنحى والاتجاه، لذا يرى الباحث معلا أن تسمية محترف هي الأكثر توصيفاً للحال التشكيلي السوري من مسمى حركة فن تشكيلي سوري مفتوحة بقنوات تواصل على الحركات الفنية والتيارات الحداثوية العالمية. ويوضح أن مؤرخي الفن في العالم ليس لديهم اطلاع على الموجود الفني التشكيلي في المنطقة العربية ما خلا بعض التجارب الفريدة والاستثنائية، التي استطاعت النفاذ إلى ثقافتهم مثل تجربة الفنان السوري مروان قصاب باشي.
وكان الهم في ملتقى الشارقة ينصب على تعريف هؤلاء بالفنانين العرب المتميزين من خلال دعوتهم للبينالي، وبالفعل فقد وجهت دعوات للعديد من الحكومات الوطنية العربية لنكتشف فيما بعد أنه لا يمكن لها أنا تمثل الحركات الفنية في مناطقها، لذا تم الاستغناء عن دعوتها واستبدالها بدعوة الفنانين المتميزين أو من يتمكن من توصيل تجربته للاختيار والتفاضل.
صناعة التميز
والسؤال: إذا كان الفن التشكيلي السوري عمره أكثر من قرن، وهو متاح وأول رسوم وألوان وجدت في سورية، والكثير من دلالات الأهمية التاريخية متوفرة، لماذا لا يوجد بينالي في سورية منافس وعالمي، في الوقت الذي كان فيه الآخرون يرسمون الجمل والنخلة ويحرّمون رسمها بنفس الوقت، وهم الآن يقيمون البيناليات والملتقيات العالمية ويؤسسون لربط الفن بالمجتمع؟ الإجابة بالطبع هي الوفرة المالية التي تمثل جزءاً وليس أساساً، لكن المهم هو إرادة التميز التي تصنع صناعة لما لها من أهمية! فإرادة التميز التي يجب أن تتحقق هي من الأهمية التي يجب الوصول إليها بإرادة المجتمع. وبالفعل فقد وضع الباحث معلا خبرته كاملة وبشكل مجاني أمام أحد المعنيين من أجل إقامة بينالي الشام الدولي، وكان الاعتذار لعدم وجود تمويل لمثل هذا المشروع، مع العلم أن هذه المشاريع لها من الربحية والإنتاجية التي لا يمكن أن تنكر لما فيها من استثمارات مالية، ومن الممكن إشراك “سبونسر” وطني يغطي نفقات البينالي. هكذا قدم معلا مشروعه حينها، لكن المعني اعتذر ولم يتم ذلك!.
فنون مواكبة
وتحدث الفنان معلا عن فنون الشباب وطالب بتدريبهم على الأدوات الجديدة وحدد شرطاً لممارسة هذه الفنون أن يكون مشبعاً بها ومحيطاً بأدواتها الجديدة “فنون الفيديو آرت والأعمال التركيبية”. وبرر “لكل زمن ثقافته ورجالاته”، هناك نوعان من الانتماء إلى مواد تقليدية ومواد مستحدثة، والثورة الرقمية أفرزت فنوناً موازية لها، ونحن لا تنقصنا المواهب بل تنقصنا الأدوات، ولسنا مع التغيير والتغريب، لكن لدينا مواضيعنا التي يجب أن تكون في قلب الحدث، تحمل قضايانا، فالأسس منا وتتوجه إلينا مع التأكيد على عدم وجود أي سلطة على الإبداع لفضيلة الحرية فيه، والتيارات الجديدة نحن جزء منها وفيها حتى نتمكن من عبورها، فلا أحد يستطيع أن يخلق الأشياء بل هناك استمرارية في خلقها، وما نشهد من تغير في الأسلوب والتكوين ومكان العرض والمتحف، ما هو إلا جزء من حركة جديدة تحيط بنا وعلينا مواكبتها بشكل خلاق، وتساءل الباحث عن الفطرية في الفن وهل نستطيع أن ننجز معرضاً أو متحفاً للفن الفطري؟ لكن سلطة الأكاديمية تحول دون ذلك، وتوسم خيراً بالتجمعات الفنية المحلية باعتبارها لا تتعارض مع اتحاد الفنانين، ونشاطها رديف لنشاط الاتحاد وتستطيع أن تقوم بالفعل الفني على المستوى المجتمعي، كما طالب بإصدار تشريعات تنهض بمستوى الوعي والإنتاج الفني المجتمعي وربطه باحتياجات السوق، وأشار إلى الأهمية الثقافية للمتحف في تعزيز الذاكرة والنهوض بالوعي والتغيير من وظيفة المستودع إلى وظيفة التنوير.
أكسم طلاع