سناء بركات توجه دعوة حبّ سريانية إلى سورية
يقول الأب البروفيسور إيلي كسرواني في دراسته “من كنارة أور إلى قيثارة العرب”:هنالك امتداد مباشر من اللحن السرياني وما سبقه إلى المقام العربي .”ويشاركه الرأي الباحث نوري إسكندر “وجدتُ كثيراً من الألحان المشتركة من التراتيل السريانية والألحان الشعبية وبين القدود والموشحات العربية “.وهذا ما أكدته أمسية مختارات من الغناء السرياني غناء سناء بركات وبإشراف وقيادة الموسيقي عدنان فتح الله وبمساعدة الأستاذ راني الياس. ورغم أن أكثر الحاضرين كانوا غريبين عن اللغة السريانية إلا أنهم أحسّوا بمعنى مفرداتها التي ترجمتها نغماتها الإيقاعية الممتزجة برومانسيات الأغنية العاطفية المحمّلة برقة النسيم،تخللتها صولات منفردة للعود والناي والبزق والتشيللو.
الأمر اللافت في الأمسية مقطوعة لحن قديم من الموسيقا الآرامية قدمها الموسيقي عدنان فتح الله مع العازفين الثمانية أخذنا إلى عوالم مغرقة في المعاني الروحية،وهو لحن من الفلكلور الآرامي القديم يقترب من روح الموسيقا الصوفية،وختمت سناء بركات الأمسية بأغنية شعبية عنوانها “زبني ودوري” التي تفاعل معها الحاضرون وصفقوا بحرارة لإيقاعاتها ومعانيها التي تنسحب على الواقع الذي نعيشه،ووجهت من خلالها بركات دعوة حبّ إلى كل الأجيال والشرائح لنتعاون معاً لبناء سورية من جديد، وتجاوز كل الصعوبات والسنوات العجاف التي مرّت،كما تعني كلمات الأغنية أن الفلاحين يعيشون مشاعر وجدانية متبادلة، وحالة تعاون لزراعة الأرض من جديد وتخليصها من كل الشوائب العالقة والعمل على تحقيق الحلم الجميل بغد أفضل.
تجاوز الأوزان التقليدية
وكما قالت بركات في حديث لـ “البعث” فإنها أرادت أن تقدم صورة منوعة معاصرة عن الأغنية السريانية إذ يعتقد أكثر الناس بأنها ترتبط بالغناء الديني والتراتيل،لكنها تنتمي إلى الأغنية الدينية والشعبية والعاطفية والوطنية وكثيراً ما نجد أن الأغنية العاطفية تمتزج بالحنين والاشتياق إلى أرض الوطن.
بدأت بترنيمة “أوسيو طعين” وهي ترنيمة روحانية تحكي عن عظمة الله غزّ وجل الذي يمنح البشر كل الخير والهبات ويقدم لهم الدواء الشافي،وكذلك “عال هاو ترعو” التي يتوجه من خلالها شمعون بالدعاء إلى الله،في حين عبّرت معاني أغنية “حولو ملكي” عن الفخر بالأجداد وبمنجزاتهم لتأتي الأغنيات العاطفية التي تسرد حكاية حبّ أدماها الفراق والأنين كأغنية “عينوثوخ” التي تخاطب عيون الحبيب الضائع والذي صارت الحياة بعده أشبه بخواء وفضاء واسع لايملؤه أحد.
الإيقاعات الراقصة
وتمتاز الأغنية السريانية كما ذكرت بركات بأنها ليست بعيدة عن الأغنية العربية،فأصولها أقدم وتختلف عنها بشيء اسمه (الكوما)وهو بلغة الموسيقا بعد بسيط من الدرجات تكون أعلى بالموسيقا السريانية،التي تعتمد على المقامات العربية البيات والسيكا والراست والحجاز والنهوند والصبا والعجم والكرد والقالب الشعري،وتتقاطع معها بالأغنيات الطربية والشعبية والعاطفية،وبالإضافة إلى الأوزان التقليدية الثنائي والثلاثي والرباعي فإنها تستخدم الأوزان المعقدة مثل الخماسي والسباعي والوزن الحادي عشر،والآلات الشرقية والإيقاعية لاسيما أن لكل أغنية رقصة خاصة ترافقها حتى تكتمل الصورة الإبداعية.
ازدواجية الغناء السرياني والعربي
وتعدّ هذه الأمسية نواة لنشر الأغنية السريانية التي هي جزء من التراث الموسيقي السوري القديم وستعمل بركات على تقديم أغنيات سريانية مع اللوحات الراقصة الخاصة بكل أغنية،كما أنها ستقوم بغناء نماذج من الأغنية الآشورية القريبة من لحن الأغنية السريانية والمختلفة باللغة،لكن الخطوة الأجمل هي مشروع بركات القادم بغناء ازدواجي بين السرياني والعربي بتأدية الأغنية السريانية ثم ترجمتها إلى العربية،وهذا سيقرّب الجمهور من عوالم الأغنية السريانية خاصة أن الملحنين السريان المعاصرين مثل كوركيس وإيوان أغاسي وجوزيف ملكي يعملون على تطويرها.
أنماط موسيقية قديمة
وتأكيداً على أهمية التراث الموسيقي السرياني تابع الحديث مع “البعث” قائد الفرقة المايسترو عدنان فتح الله حول أهمية الموسيقا الآرامية والسريانية التي تشكّل جزءاً هاماً من التراث الموسيقي السوري،وضرورة الحفاظ على هذا التراث وتوثيقه وتقديمه بطريقة أكاديمية لاسيما لجيل الشباب كي يتعرّف إلى التنويع الموسيقي السوري الذي يعكس حضارات متتالية،وضمن هذا المشروع سيعمل فتح الله بالتعاون مع د.جوان قرة جولي على تقديم أنماط مختلفة من التراث الآشوري والسرياني والآكادي والكردي والأرمني وغيرها لإحيائها من جديد.
ملده شويكاني