ثقافة

مشانق الكرامة تمام علي بركات

حقا أتساءل: أي كلمات مهما بلغت درجة كمالها وعظم بليغ نظمها وبيانها، أي كلام يستطيع أن يجود ولو بالنذر القليل من إيفائكم حقكم؟ أنتم يا من أعرتم الله جماجمكم ومدتم في الأرض قدمكم، وللوطن بذلتم  طهر دمائكم فتزول الدنيا وما تزولون ولا نزول، وعلى عتبات نظراتكم تقف الكرامة تشحذ معنىً ترتديه بعد أن غيرتم مرة واحدة وإلى الأبد معنى المجد والكرامة، ليصير الفخر آية في مصحف من نور آلائكم، والكرامة عروس أبدية الشباب، للدهر الذي انتم من رفع أعمدته الشاهقة وبنى صرحه الخالد.
أي قصيدة أو رواية، أي مقال أو كلام عفوي، بمقدوره أن يطل ولو للحظة على طهركم وأنتم من كتب بالدم وخطّ بأقلام الروح حيوات السوريين كل السوريين، من شرق البلاد إلى غربها ومن جنوبها إلى شمالها.
إن الكلام كل الكلام ليتشرف وليسعد وليحيى خالدا خلود الزمن، وهو يحاول عبثا أن يضيء ولو لحظة من إشراق وهجكم الطالع من ربا وجبال هذا الوطن.
اليوم أكثر من أي وقت مضى، تقف أرواحنا على رؤوس أصابعها وهي تتلو أسماءكم المنيرة على مسامع التاريخ بأن سجل في ديوان الخالدين أن من السوريين رجالا، وطئوا الموت بالموت، ومنحوا الحياة جريانها في نسغ كل السوريين، بينما لا تزال أرواحكم تقف على كل الجبهات كما لو أنها صباح الأبد، يبدد عتمة وحلكة ليال طويلة، كان لها أن تدوم أبدا، نازعة من وجوه أطفالنا وملامح أمهاتنا، علائم البهاء وصيرورة الحياة ولونها ونكهة الفخر فيها، لولا أن قبضتم بأيدي الطهر منكم على كل حبة تراب من هذا الوطن، نِعمت بما لم ينعم به أي تراب آخر، نعمت بفوح عبقكم الندي ومسك دمائكم الورد وهي تنداح كموال عذب المطالع،بهي القوافي، محيلا رماد الحروب إلى جنان معلقة بين السماء والأرض، نرنو إليها اليوم ونقول: أبت أن تُزل نفوس الكرام، فعليكم السلام.
تمر السنون والشهور، تتقلب الأحوال والدهور، وأنتم منذ صبيحة ذلك اليوم الذي نًصبت فيه في كل ساحات الوطن يوم السادس من أيار عام 1916، مشانق الكرامة التي ارتقتها أرواحكم هاتفة “بكتب أسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب” وحتى اللحظة التي ترتسم فيها هذه الحروف، باقون على عهودكم الدامية، لا يطلع فجر علينا إلا إذا أذنت له دمائكم بأن يشرق، ولا تغيب شمس أمان على بيوتنا وأرواحنا وأطفالنا، إلا إذا أسدلت فوهات بنادقكم وحبق ضحكاتكم قميص الليل بردا وسلاما على كل أشكال الحياة التي عشناها بفضلكم رافعي الرؤوس شامخي الجبهات، مطمئنين أننا إن أسلمنا عيوننا لوسن النوم، فإنكم انتم الساهرون وانتم الحماة وانتم المجد.
قليل عليكم كل الكلام، بخس أمام ندرة أرواحكم كل العطاء، يا من ترفعون السماء فوقنا فلا تقع علينا، وتمهدون طريق الحياة لأولادنا وأهلونا فلا تميد بنا الدروب.
اليوم وأنا أخ لشهيد دمه العبير وروحه الفجر، ومشروع شهيد إن نادى الوطن، أقف بين الناس شامخا كقاسيون، أدل بثبات ويقين كل من تاه به الرأي، إلى الراية التي لا يضل عنها إلا من نال منه العدم، أصيح: شهداء سورية البررة لولا طهر أحذيتكم التي تقف فيتدفق الوقوف، وتمشي فتشرق الحياة من تحت خطواتكم النور، لولا نبلكم وكرم أصلكم، لكنا عاجزين وتائهين في أصقاع الدنى نشتهي وطنا يلمنا وبيتاً يؤوينا وفخر يولمنا الحياة على طبق من مجد، لا مجد يدانيه ولا عز يضاهيه، لأنكم السادة وأنتم الأعلون، وانتم أكرم من في الدنيا وأنبل بني البشر.