ثقافة

قراءة في مجموعة “شير وشادي” القصصية

إن الملاحظة الأولى المهمة التي يمكن الإشارة إليها بخصوص مجموعة “شير وشادي” للأديب حسني هلال، هي هذا الانتماء الواضح والصريح للواقعية بعيداً عن التخييل، أليس الواقع أغنى من الخيال؟ ومن هذا المنطلق نجد أن جميع قصص المجموعة تأخذ من الحدث اليومي العادي، أو التجربة الشخصية المعيشة دون أية رتوش، أو محاولة للإثارة، أو اللجوء إلى البدايات المدهشة والمفاجئة. الذي يحدث في جميع القصص أن الأديب هلال يترك الحدث يسير بتلقائية كما الحكاية الأصلية، لكن مع تعمد إبقاء النهايات مفتوحة، حيث يكون الدرس والعبرة والتأمل، كما في قصة “العش”.
ثم إن الملاحظة الثانية المهمة في مجموعة “شير وشادي” هي في تقديمها للمظاهر السلبية ونقدها بصراحة متناهية وجرأة، دون اللجوء إلى الترميز، أو اللف والدوران واستخدام تقنية القناع. وهذه باعتقادي نقطة مهمة لأن الخلل شيء شائن ومعيب ومنفر، لذلك من الضروري والواجب تقديمه بلغة صريحة وواضحة، كما في قصة “حذار من هز الراس”.
إن أغلب قصص “شير وشادي” مليئة بالنقد الاجتماعي والسياسي، هذا النقد الذي يأخذ من الحكاية الشعبية المعروفة ويسقطها على الواقع، حيث المواطن المسكين والضعيف ضائع، ويجد نفسه دائماً في حلقة مفرغة. أيضاً ربما لأن قصص مجموعة “شير وشادي” ليست سوى بنت الواقع، فإن المكان يحضر بوضوح وبالأسماء الصريحة، وهذا بحد ذاته يتيح للقارئ الفرصة لعيش تفاصيل الحدث، أو إعادة بناء هذا المكان، كما في  قصة “مدارات”.
الملاحظة الثالثة المهمة أن جميع قصص المجموعة تنشغل بالهم والوجع الإنساني، وبسبب هذا الانشغال، نجدها في إلحاح دائم على طرح الأسئلة الإنسانية المؤرقة ويبدو ذلك من خلال ولعها بالتقاط التفاصيل اليومية مهما كانت صغيرة، وفي سعيها أيضاً لأنسنة الأشياء، وكذلك نقلها للنبض اليومي للحياة، كما في قصة “مشراح”. وأثناء هذا البحث في الهم الإنساني تتجلى الفجيعة واضحة في القصة التي بعنوان “شير وشادي”، حين الاكتشاف المأساوي، وهو أن الإنسان ليس سوى حيوان يُرمى ويستغنى عنه عندما تنتهي خدماته، أو قدرته على تقديم الخدمات في مجتمع تسوده الطبقات.
الملاحظة الرابعة المهمة في مجموعة “شير وشادي”، أن أغلب قصصها تتميز بتعدد الأصوات، حيث تميل دائماً إلى الحوار، وهذا بالطبع يفسح المجال ويعطي الحق لكل شخصية بالتعبير عن نفسها بعيداً عن سلطة الراوي، لأن القصة عن الناس، وبالنتيجة هم الأقدر على التعبير عن أنفسهم دون تدخل من أحد.
أخيراً، إن ما يميز مجموعة “شير وشادي” للأديب حسني هلال، استخدامها لأسلوب القص التقليدي وكأننا في سهرة نتبادل الأدوار، لذلك أتت عبارة عن لوحات ومشاهد ترصد الهموم والأوجاع العامة للإنسان، وبالتالي فإن نبض القصص سينتقل حتماً إلى القارئ الذي يعيش الهموم والأوجاع ذاتها.
“شير وشادي” مجموعة قصصية للأديب حسني هلال / صادرة عن دار إنانا / دمشق 2010
عماد الفياض