وطن يستحق الحياة
جلال نديم صالح
لم أحضر تلك الفعالية في ذلك اليوم لأكتب عنها لكن عنوانها أعجبني بدأت كأغلب فعالياتنا الوطنية بالنشيد العربي السوري، مادفعني للنظر لمن جلسوا في المقدمة طفلة لم تتجاوز السابعة من العمر وهي تقول لوالدتها وتشدها من يدها “ماما ماما قفي النشيد العربي السوري” ابتسمت مرغماً أمام عظمة تلك الطفلة الصغيرة الكبيرة التي أدركت ببراءتها ونقائها المعنى المقدس لنشيد وطنها، وقفزت إلى ذهني صور الكثيرين من “الكبار” الذين نسوا القيم ليشاركوا في تدمير وطنهم، وبعض “المثقفين” الذين طعنوا الوطن وقبضوا ثمن كلماتهم. تتابعت الصور في ذاكرتي لتعيدني إلى تلك الأم التي رقصت بفخر وملأت زغاريدها المكان وهي تحمل صورة ولدها الشهيد الذي زفته فداء للوطن، استذكرت تلك البسطات أثناء مروري الدائم في منطقة البرامكة وشارع الثورة، والتي تزينت بالأعلام الوطنية وصور السيد الرئيس، وغير ذلك من الرموز الوطنية التي نفخر بها والتي أصبحنا نراها تزين عقداً أو سواراً أو قبعة. ما عشناه حرك في دواخلنا ذلك الشعور الوطني وحوّله إلى سلوك ونمط حياة. كم شعرت بالفخر والسعادة وأنا أسمع نبأ عودة نبض الحياة إلى ساعة حمص بعد أن أمدها أهلها بالعزيمة، لتمحو عقاربها الأمس المظلم، وتطوي صفحات أرادها الإرهاب أن تبقى مفتوحة. عادت لتمحو كل ذلك وتقف شامخة لتعلن في كل يوم التحية لشهداء الوطن، وللذين صمدوا ودحروا الإرهاب وبدؤوا البناء من جديد. دمشق الجميلة سبقت حمص بعودة قطارها بصوته الجميل ليمر في منطقة الربوة معلناً عودة الحياة لما أراده الإرهاب ميتاً، وقريباً إن شاء الله بفضل ثلاثية النصر الشعب والجيش والقيادة الحكيمة ستدب الحياة في كامل الوطن، في مصانع دمشق وحلب، في القلاع والأماكن الأثرية التي ستروي حكاية وأصالة من بنوا، وإرادة من سيبنون وسيحسنون البناء. اليوم وبعد أكثر من أربع سنوات أصبحنا ننظر إلى دواخلنا لنقول ما أقسى وما أجمل ما وصلنا إليه، ماعشناه قاس لأننا فقدنا فيه الكثير بعد أن ارتوت الأرض بدماء الشهداء، فدمر ما دمر من البناء والنفوس، وجميل أننا أصبحنا نرى الجمال في كل شيء حتى فيما اعتدنا سابقاً أن نراه عادياً، وفي أحيان كثيرة لم يكن يلق منا التفاتة. رغم أهميته أصبحنا نرى الجمال في كل ما فقدناه أو كدنا نفقده، وصار كل ما يمت لوطننا بصلة معلماً ورمزاً يعبر عن وحدة شعب وإرادة لن تستكين. كيف لا ومن يعيشون على أرض سورية هم عشاق الحياة الذين صنعوا من الحزن فرحاً ومن اليأس عزيمة.. إنهم شعب يعيش الوطن بنبضه.