ثقافة

سامي الشوا أمير الكمان … العازف الذي ألهم الشعراء أجمل الأشعار

من تابع الندوة التي أقيمت مؤخراً في دار الأسد للثقافة والفنون برعاية وزارة الثقافة وبمناسبة مرور خمسين عاماً على رحيل سامي الشوا أمير الكمان الشرقي، يلمس حجم الجفاء الذي يعتري العلاقة بيننا وبين تراثنا لاسيما في جانبه الفني والموسيقي. ويعبر  د.علي القيم وهو أحد المشاركين فيها عن حزنه أن نرى جيل اليوم من الملحنين والمطربين والمستمعين لا يعرفون شيئاً عن الشوا عازف الكمان والملحن المجدد والعالم والمدرس وكيف أن فنه ازدهر وعرفته الأمة العربية والكثير من دول العالم وكيف مات في حاضرنا الفني المتردي مذكراً الحضور أنه من قال ذات مرة: “حين أقوم بالعزف أمام سكان مدينتي حلب وبين خمائل أشجارها أشعر وكأن الكمان جزء مني ولا أشعر كيف تتحرك أناملي عليه فأخرج نغماً يختلف كثيراً عن باقي أنغامي التي أعزفها في أي مكان في العالم”.

غاص في عوالم الموسيقا
وأشار د.القيم إلى أن الشوا كان منذ بدايات حياته تواقاً إلى الفن في صورته العليا، ومع أن ثقافته العلمية والموسيقية كانت متواضعة فقد استطاع الغوص في عوالم الموسيقا العربية والعالمية فتعرف إلى تاريخ الموسيقا ومقاماتها وأشكالها وألوانها وأوزانها، وكان يهضم  كل ما يسمعه ويشاهده ويقرأه، وقد انعكس  ذلك بصورة جلية في معزوفاته وألحانه ومؤلفاته التي رسخت قدمه في أصول الموسيقا وطرق تقديمها عبر آلته الكمان.
وعن كتابه الهام “القواعد الفنية في الموسيقى الشرقية والغربية” الذي صدر عام 1946 أوضح د.القيم أن الكتاب أكاديمي بحت، داعياً مديرية المعاهد الموسيقية في وزارة الثقافة للاستفادة منه بإعادة طباعته واعتماده في المعاهد ليكون بين أيدي الطلبة، مبيناً أن الشوا عرفنا فيه على السلم الموسيقي وقام بتحليل المقامات والبالغ عددها 108 مع تأكيده على أن التغيير والخروج من المقام الأساسي إلى مقام آخر أمر ضروري في العزف والغناء، باحثاً فيه أيضاً مسألة الأوزان وأنواعها وشرحاً لمضمونها ليتحدث في فصل آخر من الكتاب عن قوانين العروض وأنواعها.

كان سابقاً لعصره
أما الموسيقي عدنان فتح الله فقد قدم دراسة تحليلية لمقطوعة أعرابي في الصحراء” وهي من أهم أعمال الشوا موضحاً أن أهميتها تأتي من قدرة الشوا الكبيرة على تصوير رحلة ليلية لأعرابي في الصحراء والتعبير عنها من خلال الموسيقا، وقد قام بتأليف هذا العمل إثباتاً منه أن آلة الكمان قادرة على تصوير حالة مشهدية، وعلى أنه يملك إمكانيات تقنية في العزف على الآلة والتعبير من خلالها عما يجول في خاطره عبر الموسيقا الآلية ودون كلام، مؤكداً فتح الله كذلك أن من أهم ميزات الشوا أيضاً أنه قام في إحدى المعزوفات بتقليد صوت المزمار من خلال العزف على وترين، أي بتغيير طريقة توضع القوس على الوتر لإصدار صوت قريب من المزمار، وهنا تكمن عبقريته.
ولحبه الدائم للتجديد بيَّن فتح الله أن الشوا نجح في مرافقة كبير المنشدين الشيخ علي محمود وذلك في قصيدة “يا نسيم الصبا” في الوقت الذي كانت تمنع فيه مصاحبة الآلات الموسيقية لهذا النمط من الإنشاد، ومنه تجرأ الشوا على عزف الآذان على آلة الكمان الذي أداه بمنتهى الإنسانية والروحانية متوقفاً عند دور “كادني الهوى” الذي أداه الشوا على آلته الكمان بمرافقة فرقته الموسيقية، حيث أحدث توازناً مهماً بين آلة الكمان والفرقة، مؤكداً فتح الله أن قيامه بذلك كان بمثابة تحدٍّ، وقد أصر على عزفه بآلة الكمان دون كلام بعد أن غناه الكثير من المغنين واستطاع من خلال قدراته في العزف وثقافته الموسيقية في المقامات الشرقية والارتجال، أن يأسر كل من سمعه في زمن كان يحتل فيه  الغناء المرتبة الأرفع في عالم الموسيقا.
وختم فتح الله كلامه مشيراً إلى أن الشوا أعطى لآلة الكمان مكانة مهمة في التخت الشرقي العربي واستطاع أن يصور بكمانه الكثير من مشاهد الطبيعة مثل زقزفة العصافير وصوت الرياح والعاصفة، وقد كان سابقاً لعصره ابتدع أفكاراً جديدة نتيجة استفادته تكنيكياً من العديد من الموسيقيين الغربيين.

أهم عازفي الكمان
وبيّن الباحث الموسيقي أحمد بوبس الذي أدار الندوة من خلال الفيلم الوثائقي الذي أعده عن الشوا أنه ينتمي لأسرة فنية كانت من أهم وأعرق الأسر الموسيقية في مدينة حلب والعالم العربي، والتي أنجبت العديد من العازفين والمطربين وقد جمعت عصارة عبقريتها الموسيقية في شخص واحد هو سامي الشوا، الذي يعتبر واحداً من أهم عازفي الكمان الشرقي في القرن العشرين، بل إن بعض النقاد والمؤرخين الموسيقيين يعتبرونه أفضل عازف كمان في الوطن العربي، وقد علا شأنه وبلغ مكانة لم يبلغها عازف قبله في زمن كان يحتفل فيه بالمطربين، مؤكداً  أن الشوا لم يكن مجرد عازف بل متبحر في الموسيقا، تعمَّق في المقامات الموسيقية والإيقاعات والأوزان، وقد درس النظريات الموسيقية العربية والغربية، كما برع في الارتجال على الكمان وحمل بجدارة لقب أمير الكمان الشرقي، وهو لقب أطلقه عليه أحمد شوقي الذي كان أول المعجبين بعبقريته الموسيقية، مشيراً إلى أن نحو ستة وأربعين شاعراً من معظم البلدان ومن شعراء المهجر أمثال حافظ إبراهيم، خليل مطران، إيليا أبو ماضي، جميل الزهاوي، معروف الرصافي، إبراهيم ناجي، بشارة الخوري قد نظموا في عبقرية الشوا الموسيقية أجمل الأشعار. وقد تم خلال الندوة توزيع CD  يتضمن مجموعة من المقطوعات الموسيقية للشوا والكتاب الذي أصدرته الهيئة العامة السورية للكتاب عنه تحت عنوان “سامي الشوا أمير الكمان” لأحمد بوبس .

أمينة عباس