“مياه آسنة من أجل الإسفنج”.. جديد زهير جبَّور
مجموعة قصصية للكاتب السوري زهير جبور صادرة عن اتحاد الكتاب العرب عام 1998، تتضمن قصة طويلة تقع في 135 صفحة وتحمل عنوان “مياه آسنة من أجل الإسفنج”، ومجموعة من القصص القصيرة تحت عنوان “ذبحنا الطيور وهي تغني”.
للقصة الطويلة بنية الرواية الكاملة الجيدة والممتعة، سواء من حيث الصراع، الحبكة، النهاية، الشخصية الرئيسة والشخصيات الثانوية. وتروى القصة على لسان البطل “أمين” ابن الحرام الذي نشأ عند والدة عاهرة، وضمن مجتمع ليس فقيرا فقط وإنما قذر وغير أخلاقي، وجعل صراع الشخصية واضح وصريح من البداية إلى النهاية، في وجه الظروف التي تحول دون تعليمه أو تأمين حياة كريمة لأخته.
مقولة القصة أن المجتمع القذر وغير الأخلاقي لن ينتج شخصية إيجابية مهما حصل، بل ينجب من يمتص جميع قذارته ليطيح به، فالقذارة لا تنتج إلا قذارة، لذلك نجد انعطافاً كبيراً في القصة عندما تفاجئنا الشخصية الرئيسة بعدما أصبحت قوية ماديا وتعليميا بأنها أطاحت بحارتها بطرق غير شرعية وحتى بمن أحسن إليها، لأن الظلم الذي واجهته كبير ولابد أن يكون انتقامها جبارا حتى ترضى، الفكرة واضحة مبدعة وقوية.
أهم عنصر هو المفاجأة في الحبكة والتي تأتي بعد أكثر من ثلثي القصة، ليتغير مسار الأحداث بطريقة عكسية، عندما يفاجئنا الشخصية الرئيسة “أمين” الذي قدمت له الدعم المعنوي اللازم بعض الشخصيات الإيجابية التي أعجب وتعلق بها طوال زمن القصة، بأنه سينتقم من مجتمع بأكمله وينتشله من جذوره، بطريقة سيئة فيها احتيال، على عكس جميع الشخصيات السلبية التي كانت مجاهرة بسلبيتها.
“كنا نصفق لكل طلقة انتقام، وأحببت البطل. كنت مشدودا طوال العرض إليه، أراقب حركاته، ورغبت لو نحضر الفيلم مرة أخرى. لماذا انتقم البطل لأمه؟ إذن هناك أمهات يدفعن الأولاد للوقوف إلى جانبهن!”.
من ميزات هذه الرواية اللغة الغنية جدا والمؤثرة التي استخدمها الكاتب، التعبيرات والجمل عالية المستوى تشد القارئ ولم تأت بسيطة ومملة.
أما ما قد يؤخذ عليها كونها توحي بأجوائها أنها تدور في حارة مصرية، قد يكون السبب أن جزءاً من أحداثها يأتي في فترة الوحدة بين سورية ومصر، فأتت جميع الأغاني التي دندنتها الشخصيات الثانوية مصرية، وأيضا الجو العام.
أيضا من وجهة نظر أدبية أتوجه بنقد للقصة بكون الشخصية الإيجابية الأبرز وهي الشخصية الداعمة للبطلة والمؤثرة بها كانت لرجل أعرج، وعندما وجهت هذا الانتقاد للكاتب قال اكتبي ذلك، لأن هناك فكرة عامة ومنتشرة تقول بأن العقل السليم في الجسم السليم، وليس من المنطقي أن تكون الشخصية الإيجابية الوحيدة في القصة عرجاء.
“ولدت في البيت الطيني من ذلك الحي الغربي في مدينة تنمو حديثا، كان كل شيء ينهض في أسواقها التجارية. وفي الأحياء الثرية. أما في حينا فروائح العفن والمراحيض المكشوفة، والذباب، والجرذان، والصراصير، والدودة الوحيدة، والحمراء الطويلة. وكائنات أخرى تقاسمنا السكن، والطعام، وجلسات الليل وبرد الشتاء، وحر الصيف والمغص”.
أما بالنسبة للقصص القصيرة فجاءت بمواضيع ذات صلة كونها ناتجة عن مجتمع آسن، تتحدث القصة الأولى عن بلاد يقودها الراديو حتى في الضحك وتفريغ المثانة كي لا تحدث الجماهير فوضى، وبشكل عام جميع القصص ممتعة وذات أفكار قيّمة، وتميل بشكل عام للرمزية في الوصف مثل “الهول، همس الحلم الآتي” حيث يبدو أن هناك شيئاً واضحاً تماما في ذهن الكاتب إلا أنه ليس واضحا للقارئ، في الوقت الذي يجب أن تتسم القصة تحديدا بالبساطة لتصل إلى غالبية الناس ولا يجب أن تحتاج إلى مترجم، لكن مع ذلك لن يخسر القارئ اللغة الشعرية الجميلة والفريدة من نوعها في القص.
“نورا صبية عصرها، وعصفورة الماء البارد، وردة تتفتح في ربيع صعب المسالك، تتداخل فيه الطقوس. كانت شهية كقطعة نور، تشع لتبهر، ويصدح صوتها عبر الطريق الترابية الممتدة من قرية “المغر” المنحوتة في سفح الجبل حتى عين البارد”.
زهير جبور قاص وروائي سوري من مواليد القنيطرة 1948، حاز على العديد من الجوائز العربية، صدر حول قصصه العديد من الكتب تتضمن مقالات لأدباء ونقاد، وعقدت حولها ندوات، وتم ترشيحه لنيل شهادة الدكتوراه في القصة السورية القومية من قبل جامعة روسية، من مؤلفاته : الحلم مرة أخرى، يحيكون زهرا لموتنا، موسيقا الرقاد، الورد الآن والسكين، أزرار مقطوعة، رذاذ المطر، حصار الزمن الأخير، الوقت.
حلا خيربك