ثقافة

في وقفة مع تجربته الإخراجية.. حسام العاتكي: الفن الإذاعي عمل تكاملي والتقنيات الجديدة تخدمه

مازالت عبارة عزيزي المستمع تغازل المستمعين وتدغذغ حواسهم، فهي تنمّي خيالهم وتتيح لهم إمكان الدخول لآفاق متعددة، وتحويل ما تقدمه إلى صور وإيحاءات في أذهانهم، والسؤال الذي يخطر في البال أمام طغيان الصورة والفضائيات والإنترنت إلى أي مدى مازال للإذاعة دورها، فيأتي الجواب عبر الإذاعات الكثيرة المنتشرة الآن والتي تؤكد أنه سيأتي وقت وتستعيد الإذاعة دورها، خاصة بتوفر التقنيات الجديدة التي  تخدم هذا الفن، هي غالباً مسموعة في السيارات، وعبر الإنترنت والموبايلات كلها تقنيات جديدة تخدمها وتؤكد أن للفن الإذاعي مستقبله. وإذا كان المذيع يحقق بصمته في الإذاعة عبر صوته فإن المخرج الإذاعي الذي يبقى وراء الكواليس يجسد بصمته من خلال المؤثرات الفنية من موسيقا وأغان والفواصل التي يضعها بما يتناسب مع كل برنامج
فكيف باسم يتردد على مسامعنا يومياً من خلال إذاعة “شام إف أم” في عبارة “مع تحيات حسام العاتكي” ومن باب الفضول رغبنا التعرف إلى هذا المايسترو المجهول فكان لـ “البعث” هذه الوقفة مع المخرج الإذاعي الشاب حسام الذي حدثنا عن عمله في الإذاعة والظروف التي هيأت له الدخول في هذه التجربة، فهو خريج كلية الحقوق يهوى العمل الإذاعي، كمذيع ومقدم للبرامج، لكن العمل الإخراجي استهواه إلى حد بعيد فاكتشف من خلاله المتعة الحقيقية في التعامل مع الأصوات، وحلمه في الإذاعة أن يقدم برنامجاً يستضيف فيه الفنان زياد الرحباني ليحاوره في تقنيات الموسيقى فقط.
في فترة المراهقة تنقل المخرج العاتكي بين بانياس وجبلة، وكان شديد الولع بالموسيقى ومثابراً على متابعة مختلف الإذاعات، وعندما كان يضطر للغياب عن المنزل في موعد بث أحد البرامج المفضلة لديه كان يحضّر شريطاً للتسجيل ويستمع إليه عند عودته. يقول عن تلك الفترة: كنت أستمع للإذاعة السورية الوحيدة، أي إذاعة دمشق، والإذاعات اللبنانية، وأيضاً الإذاعات الأجنبية التي تبث باللغة العربية، ويتابع: أنهيت دراستي في كلية الحقوق وبعدها التحقت بالخدمة الإلزامية، وفي هذه الفترة بدأ انتشار الإذاعات الخاصة في سورية، فكانت لي بعض المحاولات للعمل كمذيع أو مخرج لكنها باءت بالفشل، إلى أن التقيت صدفة أحد أصدقائي القدامى وهو مهندس الكترون، حيث كان على موعد مع مدير إذاعة “شام إف إم” التي كانت تستعد لبدء بثها التجريبي، فاصطحبني معه، والتقينا مديرها الأستاذ سامر يوسف واستمعت إليه وهو يتحدث بشغف عن مشروعه الإعلامي، فاستهوتني رؤيته للعمل الإذاعي، وأسررت لصديقي برغبتي في الانضمام إلى المشروع، وبالفعل قام صديقي بإخبار المدير عن رغبتي ، فوافق على منحي الفرصة انطلاقاً من حماسي للعمل، ومن ولعنا المشترك بالفن الرحباني وأغاني فيروز ومسرحيات الرحابنة وزياد، واقترح أن أتدرب على الإخراج، كما كان يجب العمل على تأسيس أرشيف للمحطة، فركزت في تدريبي على آليات التسجيل والمونتاج والتنسيق وتنقية الصوت. ثم بدأت مرحلة برمجة الفترات الغنائية الفيروزية التي تعتبر من السمات الخاصة بالهوية السمعية للإذاعة. والطريف أن مدير الإذاعة، الضليع بالأغاني الفيروزية، فوجىء بمعرفتي الكثير من أغاني السيدة فيروز وخصوصاً النوادر منها، وهنا لا بد من الاعتراف بأن الفضل في هذا الأمر يعود لوالدتي التي علمتنا وربتنا، أنا وأخي، على سماع هذا النوع من الغناء.
وأسأله عن خبراته في العمل الإذاعي من أين استمدها وكيف اكتسبها فأجاب: صحيح أنني لم أكن أملك خبرات أكاديمية في هذا المجال، لكنني اكتسبتها من خلال العمل حيث صقلت موهبتي وعرفت كيف أوظفها بإمكانيات جيدة، وبعدها أتت الإعلامية هيام حموي، وكنت أستمع إليها منذ طفولتي وأتابعها في إذاعتي مونت كارلو والشرق، فحاولت أن ألفت نظرها إليّ حتى أنني كنت أغار عندما أراها تتعامل مع المخرجين الآخرين، وعملت معها بجد حتى استطعت إقناعها بجدارتي في العمل على أفضل مستوى من خلال البرامج التي قدمتها معها، فمنحتني ثقتها الكاملة.

حسام وهيام
ويرى المخرج العاتكي أن الفن الإذاعي عملاً تكاملياً إذ تحدث عن ثنائية العمل التي شكلها مع الإعلامية هيام حموي قائلاً:
أنا لست مع إلغاء شخصية المخرج أمام المذيع والمعد، فهيام هي المعدة ورؤيتها الإخراجية تعود لخبرة 40 سنة، وأنا كنت مستمعاً جيداً لتعليماتها، وبعد عام كامل من التعاون قررنا أن نشكل ثنائياً وأصبحنا نعمل معاً، وبعد التدريب أصبحت قادراً على توجيه العمل وإغناء البرنامج، فلم أعد مخرجاً منفذاً فقط بل أقدم رؤيتي الخاصة، وأصبحت قادراً على إقناع هيام بوجهة نظري وأكثر تمكناً من قدراتي.

أغاني الطرب وجيل الشباب
ويعتبر حسام نفسه محظوظاً أن خط “شام إف أم” يتطابق مع ذوقه وميوله، ففيروز كانت تمثل حالة دائمة في منزله، لكنه راعى في عمله رغبة الشباب في الأغنيات الحديثة إذ يقول: بعيداً عن الأغاني الطربية أقدم ساعتين من الأغاني الحديثة خلال الأسبوع، فأنا أحب الأغاني الجديدة، وكان لا بد أن أعمل على  جذب الشباب أيضاً، فبعد انطلاقة برنامج “بنص الجو” جاء طالب في السابعة عشرة من عمره يريد أن يعرف من هما هيام وحسام، مع أنني كنت اعتبر أن هذا النوع من البرامج لا يعجب فئة عمرية صغيرة ولا تسمع هذا النوع من الطرب، ويتابع:
تصلني رسائل كثيرة تطالب بأغان مثل “ياعاشقة الورد” لناصيف زيتون أو “مستنياك” لنانسي عجرم. في الواقع، عملي أنا وهيام مختص بالطرب الأصيل، أو القديم واعتبرت أنه يجب أن يكون هناك ما يشد الجيل الجديد لهذا النوع من الطرب أو الفن، خاصة أنهم لا يعرفون أن الأغنية ليست لنانسي أو لناصيف. في البداية تفاجأت أن هناك الكثير من الشباب يحبون الطرب ويسمعون برنامج “بنص الجو”، أو فترات “رواق وطرب”، فجيل الشباب يميل إلى النغمة الحديثة ويفضلها، لذلك استخدمت طريقة تشدهم إلى الطرب الأصيل من خلال وضع المقطع الأول من أي أغنية قام بغنائها مطرب جديد وأكملها بصوت صاحب الأغنية الأصلي ومن خلالها يتعرف المستمع إلى الأصيل والجديد.
ومن البرامج التي يتعاون حسام في إنجازها مع الإعلامية هيام والفنان عثمان حناوي، برنامج “نثرات من دهب الزمان” الذي يعرفنا عليه قائلاً: هو برنامج يستحضر فناني “الزمن الجميل” الذين تألقوا في القرن الماضي وهنا كان يجب أن نجذب المستمع لهذا البرنامج، فمهما كان الفن راقياً قد يشعر المستمع بالملل لأن التسجيل قديم، فقمت بإدخال موسيقى شبابية على البرنامج بالإضافة إلى خفة ظل هيام وعثمان، الأمر الذي أعطى البرنامج حيوية أكثر وأبعده عن الملل، مما يشد المستمع إلى الاستمتاع بأصوات المطربين العمالقة مثل وردة وعبد الحليم وميادة الحناوي وغيرهم، مع  مراعاة الاستماع إليهم في مقتطفات محددة زمنياً للحفاظ على رشاقة إيقاع الحلقة بعيداً عن الملل وبهذه الطريقة كسبت جيلاً من الشباب يستمعون إلينا أيضاً.
إلا أن أكثر ما يساهم في تفرّد المخرج حسام العاتكي هو معرفته العميقة والمتخصصة بمجمل أعمال زياد الرحباني، موسيقياً ومسرحياً بالإضافة إلى تفاصيل برامجه الإذاعية والسكتشات وحتى مقابلاته في مختلف وسائل الإعلام، من هنا كان حلم إخراج سلسلة حلقات مع زياد هاجس حسام الذي ينتظر أن يتحقق، ولمَ لا وقد سبق أن تحققت له أحلام إذاعية أخرى؟
جمان بركات