النَبْت الصالِح
بشرى الحكيم
في الدقيقة الحرة التي يمنحها البرنامج للمشتركين، وقفت السورية ساندرا حرّة بكل ما للحرية من معنى، إلّا من عشق وحب ليس للقلب أن يصدّه، ورغم أنها “ونحن في عالم لا يفهم من الموضوعية والمنطق إلّا ما يرغب بفهمه” كانت تعلم أن كل كلمة ستنطق بها ربما ترفعها إلى أعلى سلم بين المشتركين، أو أنها ستكون السيف الذي سيقطع شريط آمالها وآمالنا، لكنها “متسلحة بجرأة العاشق المؤمن” لم تتردد، ونطقت بما أثلج صدرها وصدورنا، فأطلق دمعها ودمعنا.
همست “منذ غادرت دمشق وكل شيء يدفعني لأحبها أكثر.. لم تستطع يد بيروت التي احتضنتني أن تمسح الأسى عن جبيني، وبحرها لم يرو عطشي لحاراتك يا شام” وهل لغير المحبوب أن يقدر؟.
“أتيت من وطن احتضن يوماً ما كل العرب، من بلاد تقف في وجه الريح” قالت فأصابت وصمتوا، وهل سوى وريثة تدمر وعمريت وماري تستطيع القول، هل لسواها أن يرفع الصوت ليقول: إن له حقاً ليس في قلعة حلب فقط، بل في كل موطئ قدمٍ على أرض الحضارات.
“أتيتكم سفيرة سلام من بلاد الشمس، لأقول لكم: إننا موجودون، إننا سوريون نحيا، نفكر ونبدع، نطوي جراحنا ونبتسم للمستقبل، هكذا نحن وهذا قدرنا، خلقنا لنكون أبناء الحياة” وهل لغير أبناء الحياة أن يطوي الجرح ويحمل الراية كي تحيا بلاده، فلتحيا بلادك يا ابنة الحياة.
نبت صالح وموهبة رأت فيها لجنة الحكم كل صفات الإعلامي الناجح طبيعيّة، وعفويّة، وصدق في الأداء، ثقافة، اطلاع واسع، تواضع، وقبول من المتلقي، وامتلاك موهبة التقديم الذي جمع بين قوة الحضور والنطق اللغوي السليم، وليست ساندرا وحدها التي أسرتنا موهبتها، بل رافقتها في ذات الرحلة دانيا زرزر التي تمتعت بخصوصية الارتجال وهي المتسابقة الأصغر سناً بين المشتركين من دون أي تجربة إعلامية سابقة، وسواهما من مواهب سورية لافتة من أرض غنية يمكنها أن تزرع العالم إبداعاً حقيقياً ونبيلاً، وأن تكمل ما بدأه الأجداد بتصدير آلاف السنين المقبلة من الحضارة لهذا العالم، مواهب شاهدنا في أكثر من برنامج وعلى أكثر من شاشة، أبهرت الجميع فترة ظهورها وانطفأ ذكرها بانتهاء البرنامج، لتتلقفها الحياة بكل مصاعبها ودهاليزها وتأخذها إلى مسارات الضرورات.
علمني سعادة يوماً ما أن “النبت الصالح ينمو بالعناية، أما الشوك فينمو بالإهمال” وما أعرفه أن كل خصوبة هذا التراب لن تساعد بذرة فاسدة على النمو، لكنني على يقين أن هذه المواهب هي النبت التي يستحق أن يروى لينمو ويملأ هذه الأرض خضرة وغلالاً، زاداً لأجيال تأتي في أزمنة قادمة.