الكاتبة لميس أحمد: وظيفة التراث إلغاء المسافة بين المبدع وعصره
الكاتبة والمترجمة لميس أحمد، إحدى المساهمات في صياغة وإحياء التراث الشعبي، إلى جانب إسهاماتها الأكاديمية المتعددة من مقالات وترجمات وأبحاث ثقافية، فكان لها دور كبير في التوصية بجمع الموروث الثقافي الشعبي السوري، قبل أن يندثر، فكانت مثال الاجتهاد والنجاح والعمل الدؤوب. معها كان الحوار الآتي:
< يقولون: إن التراث حامل حضارة الأمة، ما الذي أردت قوله في البحث والكتابة عن التراث في الوقت الحاضر؟
<< قبل كل شيء، نحن بحاجة إلى إعادة طرح العديد من الأسئلة، وإن بدت متقادمة.. بسيطة إلى حدّ التسطيح أحياناً، وذلك لمحاولة الخروج من دائرة وهم المعرفة. ومن القضايا التي أطرحها، قضية «نحن والآخرون» هذا السؤال قد يبدو بسيطاً – قديماً، لكنه على درجة كبيرة من الأهمية، حيث لايمكن نفيه بالمباعدة أو بغيرها، وهو وجود ديناميكي متحرر، لذلك بدا لنا التراث تراثياً، فلئن كان ليمثل مجتمعنا بموروثه القديم على غرار ماحدث ويحدث في مجتمعات أخرى، إنما هي دروس حضارية مؤسسة على أرضية تراثية متشعبة في الأرض، نحتاج لقراءتها للاستفادة منها، كي نظل أمة حاضرة تحت الشمس.
< بما أنك عملت في مجال الترجمة، فكيف يمكن توظيف الترجمة في الأدب والثقافة من خلال كتاباتك في التراث؟
<< لاشك في أن ميادين الترجمة، اتسعت اليوم كثيراً، ولاسيما من خلال شبكات التواصل الاجتماعي والتقنيات المعلوماتية الحديثة والإنترنت وغيرها، فأصبحت هناك ترجمة لكل جنس من أجناس الثقافة، وهناك مترجمون متخصصون في كل فن أدبي، من ذلك نرى أن الاختصاصات تعددت وشملت كل مناحي الحياة، لكننا لم نعد نمسك بدفة توجيه الترجمة الحضارية نحو موروثنا الزاخر، فالتراث جزء من حضارة الأمة، لأنها تفحص تراثها وواقعها الفكري والثقافي العام، كما أننا لانزال في كثير من مفاهيم الحياة عالة على الحضارة التي نعيش في ظلها، لذلك من الطبيعي، أن نجد هذا التقصير في علاقة توظيف الترجمة في كتاباتنا التراثية، ثم إننا لم نفلح، إلا ماندر، إلى اليوم في كتابة المعادلة الصعبة بين التراث والمعاصرة، أو مانطلق عليه الثقافة الحديثة.
في الحقيقة، مازلنا عاجزين عن كتابة هذه المعادلة، بمعنى: كيف نأخذ من التراث ونوظفه في خدمة الفكر المعاصر، ففي هذه الحالة قد نقع أسرى التراث والماضي، ونصبح عاجزين في الواقع عن دخول العصر بهويتنا الثقافية.
< كتبت المقالة والنص المترجم.. أين تجدين نفسك بين هذين الجنسين؟
<< إن المسألة الرئيسة التي ينبري الكاتب لتأكيدها وترسيخها هي مقولة المثقف الفرد، ذلك الذي ينبغي عليه أن يحافظ على استقلاله، إذ إن ذلك شرط حريته الأساس في انكفائه نحو الكتابة في جنس أدبي معين، وهو السبيل الوحيد لتمكينه من المجاهرة بأحد الجنسين، والاحتفاظ بمكانته وقوة تأثيره إلى جانب قضايا أخرى لاتقل أهمية. فأنا أرى نفسي في كتابة المقالة، لأن ملكتي العقلية منحازة تماماً نحو التراث من أجل توضيح موقف أو إرسال رسالة، وبعده يتم جلاؤه للجمهور من خلال اللغة المكتوبة، لكن ثمة شراكة، لابد من أن يصدق الكاتب بها ولاينقض الميثاق معها وهي علاقة الكاتب بلغته، ويجب أن يكون ولاؤه مرهوناً بتفعيلها والعمل على تسخيرها خدمة للمتلقي، وعليه أن يحذر المبالغة في تأكيد جنس أدبي على آخر، وألا يبخس حقه، وإلا أدى ذلك إلى تعصب ثقافي مقيت.
< لكل كاتب كلمة، يريد أن يبوح بها لقرائه، ماذا تريدين أن تقولي؟
<< إن ممارسة الإبداع في عالمنا العربي مهامه مضنية في مناخ خانق للإبداع، غير محتفٍ به، حائر بين تراث ثقافته وثقافة عصره، ومابين متطلبات إنتاجه، ومطالب حياته وأمنه، وهي حال المثقف نفسه، غير أن ذلك لايعفيه من الوفاء بمهامه العاجلة التي يفرضها عليه المتغير المعلوماتي، من ذلك الطابع المزجي، الذي يمزج بين أنساق الفنون المختلفة، وكذلك بين التراث الفني عبر الثقافات والحضارات، فمبدع عصر المعلومات، يقدم عمله الإبداعي على هيئة شظايا قابلة للاندماج مع شظايا فنية غيرها، وليس تقديم عمل فني متكامل في نهايته، وليس أجدى من أن نعي حاضرنا بمتغيراته ومفاهيمه الجديدة وسيلة لفهم وتقديم تراثنا الحضاري بأبهى صوره.
موفق فوزي الجبر