ثقافة

في ندوة الأربعاء التشكيلي.. الشاعر خالد أبو خالد: أخشى أن أموت قبيل الوصول إلى القدس.. وخائف من بلاد سأدفن فيها غريب

في آخر قطاف الزيتون يستعين الأهل بأبنائهم للوصول إلى حبات الزيتون في أعلى الشجرة التي لم تصلها السلالم. كان الطفل يصعد أعلى شجرتهم متشبثا بغصن يتمايل مع الهواء، يقطف الحبات بأصابعه الناعمة وممسكا بالغصن المتراقص كالعصفور. هذا العمل في النهار يصل أثره إلى نومه حلما واهتزازاً كأنه في “شيالة” معلقة في السماء يهزها هواء الجليل وحيفا بنعاس يغطي طفولته الفقيرة التي يحملها في أعوامه السبعينية، إنه ابن  الشهيد القسّامي ابن قرية سيلة الظهر القريبة من جنين الفلسطينية، فقد كان يصطحبه جده إلى قبر أبيه الشهيد ويربي فيه قيم الشهادة والقدس وفلسطين، ويسقي بذرة الشعر الخبيئة فيه.
ولأهمية هذه القامة الأدبية المناضلة احتفى اتحاد الفنانين التشكيليين بالشاعر أبو خالد واستضافه بندوة مخصصة لتجربته في لقاء الأربعاء التشكيلي الذي يطمح لتأسيس حوار إبداعي خلاق بين أهل التعبير يكرس حالة منتجة ومؤثرة، من خلال لقاءات الكتّاب والفنانين الذين توحدهم نبل رسالة الفكر والجمال والوطن.
تحدث الشاعر أبو خالد في الندوة عن رحلته الغنية من “سيلة الظهر” قريته الفلسطينية إلى دمشق مرورا بالأردن والبصرة والكويت وصولا إلى فيتنام وبيروت.. رحلة شاعر ومناضل يتمتع  بروح الشباب والأمل بالعودة إلى فلسطين. وقد عمل في مجالات متعددة غير بعيدة عن الكتابة والأدب والفنون والإعلام، فقد اشتغل مذيعا ومعدا تلفزيونيا وإذاعيا، وجاذب الفن التشكيلي بلطف الشاعر المأخوذ بالجمال والباحث عن تجسيده سلوكا ولوحة وقضية، محطات كثيرة توقف عندها الشاعر في سيرته التشكيلية وهي غير معروفة للجميع  مثل معرفتهم به كشاعر يتمتع بروح مقاومة وعاشقة لفلسطين، حيث دفعه اهتمامه بالفن التشكيلي إلى الانتساب لمركز الفنون التشكيلية بدمشق، وتعرفه على بعض الفنانين التشكيليين السوريين  أمثال ناظم الجعفري وفاتح المدرس ونصير شورى وغيرهم من الفنانين الذين أثروا في الحياة التشكيلية السورية تأثيرا واضحا، وسعى الفنان أبو خالد إلى إيجاد حيز له في المجال التشكيلي وبالأخص في دمشق، لأنها حاضرة الفنون ولا زالت تحتفي بهم وبه، هنا في دمشق رسم وأنتج عدد من اللوحات التي تضمنت القدس والشهيد والسيد المسيح  الذي يعتبره الفنان لا يزال مصلوبا ما دامت عذابات البشر قائمة،  والاحتلال الصهيوني يدنس المقدسات ويغتصب الأرض ويقتلع زيتونها، ويعتز الشاعر بأن هذه القضية لها من العدالة ما يجعلها من أهم قضايا الأرض، ففلسطين ليست كأي أرض والقدس ليست مدينة عادية وحسب.
بشكله  “البوليفاري” شعره الأشيب الطويل وحماسة خياله الغيفاري الثوري يروي الشاعر كيف التقى بالفنان برهان كركوتلي في ألمانيا، وقدم له الشكر باسم الشعب العربي الفلسطيني لجهده الفني المثمر في إنجاز العديد من اللوحات المتميزة التي تصور نضال الشعب الفلسطيني وعدالة قضيته التي أسهمت في تعزيز رأي عام في البلدان الأوربية المتعاطفة مع القضية الفلسطينية، ذلك الرسام الذي يعيش في مدينة كولن بألمانيا ويعمل حكواتياً في مقهى ويمارس الفن التشكيلي في أوقات فراغه، هو نموذج من الفنانين الملتزمين قضايا أمتهم وشعبهم العربي يستحق أن نقدم له التحية، ومن الفنانين الذين يعتز الشاعر بهم  خالد أبو خالد الفنان نذير نبعة الذي شارك في العمل الفدائي الفلسطيني في أغوار الأردن ومصطفى الحلاج وغيرهم من الفنانين الذين حملوا قضية فلسطين واشتغلوا على جماليات الانتماء لقضيتها.
كما تحدث عن علاقته بالفنان الشهيد ناجي العلي ومصاحبته في رحلة إلى فيتنام  حين ذهبا سوية ضمن وفد الأمانة العامة للكتاب والصحفيين الفلسطينيين آنذاك، وكيف استدان منه مئة دولار ليشتري  غيتاراً لطفلة تحب الموسيقا وتبيع الزهور على الطريق، وتحدث عن الأغوار في الأردن والعمل الفدائي الفلسطيني وكيف وصل الأردن أول حياته فتى يبحث عن عمل في مقهى الانشراح في عمان، وشغله التالي في تعبيد الطرق والزفت المغلي في الصيف الحار والنوم جائعا ومنهكا من التعب، وكيف يتعاون المهربون فيما بينهم، يبيعون زبائنهم الفلسطينيين الذين يحاولون دخول الكويت تهريبا من البصرة عبر شط العرب.. مرارة عميقة تكوي بالذكريات التي تختزل معاناة شعب شرده الاحتلال وتنكر له بعض أشقائه والأنظمة.

قراءة الكتاب مقابل بيضة
في أغلب القرى الفلسطينية يشتري الناس حاجياتهم مقابل منتجاتهم الزراعية والحيوانية حتى في الريف السوري، يتابع أبو خالد: أذكر أنني كنت أشتري السكاكر من الدكان مقابل بيضة، وتعتبر الدجاجة في البيت مورد اقتصادي وحيد للأولاد ويمكن أن أجزم أن أغلبنا مارس سرقة البيض من قن الدجاجات ليشتري بالبيض ما يرغب، وإن سقطت في قلبه عظات التربية وخوفها يطلب من أمه بيضة ليشتري بها، وبالفعل فقد تحدث الشاعر أبو خالد عن سرقاته العديدة لبيضة دجاجتهم ليعطيها لابن شيخ القرية الذي يعيره كتابا مقابل بيضة، وتلاحظ الأم فقدان البيض وتهدد بذبح الدجاجة ظنا أنها لم تعد تبيض، مما يدفع الفتى أبو خالد للاعتراف بسرقته مقابل استعارته لكتب الزير سالم وتغريبة بني هلال وألف ليلة وليلة وغيرها من الكتب المتوفرة في مكتبة شيخ القرية. هناك بداية التعلق بالأدب والشغف بالقراءة، أما الرسم فلم تتوفر أدواته أبدا إلا حين انتقل إلى نابلس هناك تعرف من أستاذ الفنون على الألوان الطباشيرية والباستيل والمائي، ويستطرد أبو خالد أن الفنون تحتاج لبحبوحة في العيش لكن انعدامها لا يعني نفي الفنون وموت بذورها.
في نهاية اللقاء قدم رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين في سورية د . إحسان العر درعاً  تذكارياً تكريماً للشاعر خالد أبو خالد، كما مُنِحَ عضوية الشرف في اتحاد الفنانين التشكيليين في سورية تقديراً لإبداعه التشكيلي المتميز.

أكسم طلاع