ثقافة

“امرأة من رماد” حال سورية التي تنهض من دمارها

كما نهض طائر الفينيق من رماده ونفض جناحيه من احتراقه ليخلق من الموت حياة ويحلق من جديد، هكذا حال “امرأة من رماد”التي ترمز إلى سورية – حسب تصريح المخرج- التي تنهض من احتراقها ورمادها وموتها لتبدأ من جديد. بدا هذا واضحاً في المشهد الذي احتدت به جهاد – سوزان نجم الدين- وقالت: “جهاد ستبقى صامدة مثل الجبل لن تنهزم، ستبقى أقوى من الزمن”
مسلسل”امرأة من رماد” سيناريو جورج عربجي يحاكي الأزمة بمقاربة واقعية يحمل بين مشاهده رسائل مبطنة تروي ما حدث في سورية، عبْر مشاهد بصرية موجهة في خطاب درامي بعيد عن التنظير والتقريرية، مشبع بالدلائل المرمّزة بأسلوب مغرق بالتضمين لإظهار خفايا، تكشف حقيقة كثيرين، وتثير المشاهد، ليقرأ ماوراء السطور.
اعتمد أنزور على البطولة النسائية في جانب من العمل من خلال شخصية “جهاد” بتوحد مع الكاميرا، حرّض المشاهد على تحليل الأحداث، ترتبط بمجموعة شخوص تركت تبعات الأزمة، تصدعات واهتزازات في دواخلهم بعدما خسروا في لحظة كل ما يملكون.
يحكي العمل قصة جهاد المرأة الثرية صاحبة المعمل التي تعرضت لشرخ قوي إثر استشهاد طفلها بانفجار قذيفة هاون لترى ثيابه المبعثرة، لكن الأحداث في جانب آخر تفصح أنه مازال على قيد الحياة، ليغيّر مسار النهاية فيما بعد حينما نراه في منزل سليم – الفنان وائل رمضان- يخفي عن السلطات اختفاءَه، في الوقت الذي تصاب فيه جهاد بمرض الفصام وتصف نفسها بالشجرة اليابسة لأنها لم تعد قادرة على الإنجاب، يتخلى عنها زوجها المحامي المشهور حسام – زهير عبد الكريم- ليرتبط بشابة تجدد حياته وتنجب له الأولاد كحال كثيرين غادروا سورية في محنتها، وذهبوا إلى أماكن بعيدة أكثر استقراراً وأمناً بالنسبة لهم، ليفتحوا صفحة جديدة من حياتهم بعيداً عن ذكرياتهم ومحطات عمرهم. المحور الآخر الذي ركز عليه أنزور هو الخطف الذي كثُر في بلدنا نتيجة الأزمة فصوّر المسلحين الذين يخطفون الناس بأسلوب المتمرسين بالإجرام بغية طلب فدية باهظة غير عابئين بأوضاعهم الحياتية مثل أحد المخطوفين –فائق عرق سوسي- الذي ترك ابنته في ساعاتها الأخيرة في المشفى وحُرم من وداعها، مجسداً الضرب المبرح الذي يتعرض له المخطوفون إضافة إلى الإهانات، وهنا لجأ أنزور إلى عرض كاميرات المراقبة وبيّن كيف يراقب المسلحون ضربهم واحتجاجهم، كما أظهر أنزور دور الجندي العربي السوري في حماية الوطن بأسلوب مباشر من خلال التحاق الشاب خالد بخدمة العلم وانضمامه لأخطر مجموعة وأكثرها تعرضاً للاستشهاد مع قائد المجموعة – سامر- الذي كان له دور آخر غير مباشر في الأحداث عبر خطّ تمثل بعلاقة جهاد الدافئة بعمران –سعد مينه- المقدم المصاب الذي ينعش في أعماقها الأزهار الميتة، ويجعلها تمسك خطوط فجر جديد كحال سورية.
الأمر المثير في العمل والذي لم نعتد عليه في درامانا، هو إشارة أنزور إلى النظرة السلبية التي حاول من خلالها بعض المخربين إثارة النعرات والفتن الطائفية التي اشتعلت في بداية الأحداث في المناطق الساخنة، لكنها خمدت بفضل التعايش الديني والتلاحم الاجتماعي الذي تعيشه سورية بين جميع الطوائف والأديان، فلأول مرة يثير مناقشة حول التفاصيل الدينية بين مايا – نادين تحسين بيك- أخت يامن وخالد المنتمية إلى طائفة غير طائفة نسرين حبيبة يامن وشقيقة سامر قائد المجموعة الذي يرفض تزويجها من يامن لأنه من طائفة أخرى في المشهد الذي تتحدث فيه مايا عن الصلاة وتقول نسرين “نحن إسلام متلنا متلكم” وفي المشهد الذي تبكي فيه نسرين بعد انفصالها عن يامن بسبب رفض سامر فتقول لوالدتها (أنا حبيت مسلم ما حبيت يهودي) وهذا إيماءة رمزية من المخرج وظّفها بذكاء، ليظهر حقيقة الواقع ففي مجتمعنا السوري الكثير من حالات الزواج بين طوائف مختلفة ليس الآن وإنما من عقود، وكذلك بين دينين مختلفين ولو بنسب قليلة.
في منحى آخر كان أنزور أكثر قرباً من الأزمة حينما توقف عند معاناة الناس من خلال العمال الموظفين عند جهاد، فصالح الذي أقحم من خلاله ما حدث للفلسطينيين في المخيم الذي كان وطناً صغيراً بالنسبة إليهم ينعش في جوانيتهم صورة فلسطين، ولغيرهم من السوريين الذي يقطنون فيه، ورئيس العمال الذي استشهد أخاه وترك له عائلته وراتبه لايكفي مدة أسبوع نتيجة غلاء الأسعار وتحكم تجار الأزمات، وفي المقابل بدت قسوة أنزور مع  شخصية سليم الانتهازي – وائل رمضان- الذي يرمز إلى بعض المتنفذين، يستغل أمواله وعلاقاته للسيطرة على الآخرين وأكثر من ذلك لخطف من يريد كورقة ضغط، وفي القسم الثاني من المسلسل سيتغير مستوى الخط الدرامي الهادئ وسيقترب أكثر من الواقع القتالي، وبالتأكيد ستعثر جهاد على ابنها تأكيداً على نصر سورية.
أنزور اختزل مفردات الأزمة وملامحها، ومن المتوقع أن يكون “امرأة من نار ” الأول لدراما 2015 التي شهدت متغيرات كثيرة.
ملده شويكاني