دراما الواقع

أمينة عباس
ثمة معايير متعددة يلجأ إليها مقيّمو الأعمال الدرامية التلفزيونية سواء أكانوا من المتخصصين في النقد الفني أم من المشاهدين العاديين، فإذا كان المتخصصون يحاولون الإحاطة بمجمل العملية الفنية شكلاً ومضموناً فإن المشاهد العادي غالباً ما يركّز في تقييمه للعمل التلفزيوني على قربه أو بعده عن الواقع الذي يعيشه هذا المشاهد، فإذا اقترب العمل الدرامي من يوميات المواطن ومعاناته مختلفة الأوجه كان هذا العمل موفقاً وناجحاً على الصعيد الجماهيري بغض النظر عن السوية الفنية التي قدم فيها من إخراج وأداء وإيقاع.. الخ، وإذا ابتعد العمل عن هذا الواقع سقط من عين المُشاهد مهما بلغت الجهود الفنية والإنتاجية المبذولة في تقديمه للمتلقي بأبهى صورة.
وبطبيعة الحال فإن مفهوم الواقعية في العمل التلفزيوني أمر استغرق الكثير من الأخذ والردّ في تحديد ماهيته، حيث دار الخلاف حول ما إذا كان العمل الواقعي هو العمل الذي ينقل الواقع بحرفيته دون تدخلات فنية تذكر، أو أنه ذاك الذي يعتمد على الواقع مستفيداً من عنصر الخيال الإبداعي الذي ينقل العمل الدرامي من صيغة إلى أخرى، مع ربط نجاح ذلك بمدى قدرة أسرة العمل على أن تكون حقيقية ومبدعة في الوقت ذاته.
في سنوات الحرب على سورية ظهرت الكثير من الأعمال التلفزيونية التي حاولت أن تكون قريبة من نبض الشارع لتنقل مشاغله وتصور حاله وحال فئاته الاجتماعية المختلفة وهي تبحث عن مصائرها وتدافع عن وجودها وحاضرها ومستقبل أبنائها. وقد نجحت مسلسلات كثيرة في أن تبلغ هذا الهدف متخذة من الإنسان هدفاً أسمى لها، في الوقت الذي أخفقت فيه مسلسلات أخرى ووقعت في مطب تجيير المجتمع إلى فكر الكاتب أو المخرج، وهذه الأعمال كانت سمتها الأولى دفاعها عن الغوغائية والفوضى والترويج لفكر أرعن وأحادي النظرة، لا يملك من أمره شيئاً سوى أن يكون تابعاً ومرهوناً وغير قادر على أن يقدم لمجتمعه غير الانحدار والانتقال به إلى العصور الوسطى، وهذه الأعمال كان هدفها الأول تشويه صورة الإنسان والواقع السوري اليوم وفي السنوات القليلة الماضية، لكنها سرعان ما نزلت من عيون متابعيها لأنهم أدركوا مقدار التدليس الذي تمارسه هذه الأعمال لكسب رضا الشاشات العربية وإيجاد أكبر مدى ممكن من التسويق. من هنا على دراميينا الواعين لمسؤولياتهم أن يدركوا أن وقوفهم موقف المتفرج من هذه الممارسات بحجة أنهم مجرد ممثلين ولا يملكون من أمر الجانب الفكري لهذه الأعمال شيئاً لن يعود عليهم سوى بالسقوط من أعين جمهورهم مهما طال بهم أمد النجاح والنجومية المؤقتين.