“الكتاب الإذاعي” تجربة رائدة في مواجهة أزمة القراءة
في تجربة مميّزة قدمت إذاعة “شام أف أم” في موسم رمضاني سابق مشروع “الكتاب المسموع” بالتعاون مع شركة “فردوس دراما” وبصوت الإعلامية هيام حموي، والفنانة لورا أبو أسعد ومجموعة من الفنانين السوريين، وإخراج “سيف أبو أسعد”. وللوقوف على ملامح هذه التجربة وحيثياتها حدثتنا الإعلامية هيام حموي قائلة: الفكرة ليست جديدة فهي منتشرة في أوروبا كثيراً، وموجهة لمن لايستطيعون القراءة بسهولة، ومهمة أيضاً لمن لايسعفهم وقتهم بالقراءة، وكانت التجربة الأولى لهذا المشروع مع رواية “مزرعة الحيوانات” للكاتب جورج أورويل، وتتابع هيام: تم اختيار “مزرعة الحيوانات” نزولاً عند رغبة الفنانة لورا أبو أسعد حيث وجدت فيه إسقاطات سياسية حلوة، قرأت الكتاب وأحببته، فكانت الفكرة أن نبدأ به وبعدها نستمر بالمشروع وقد رأينا أن نبدأه برمضان، وقررنا أن نبدأ بالكتب التي نحبها وبعدها نتوسع بالمشروع دون أن نعرف إلى أين قد يصل، لكن ردود الفعل جاءتنا عبر دار نشر تديرها سيدة اهتمت بالموضوع، والشيء الجميل في الموضوع -تتابع هيام- أننا كنا في ذلك الوقت نقدم في الإذاعة برنامجاً مع د. هاني حيدر من أمريكا وهو طبيب مختص بطب الأطفال فقال لي إنه تفاجأ باختيارنا لهذا الكتاب لأنه مهم ومقرر في مناهج الدراسة الأمريكية وفي كل مرة يقترحونه في العطل الصيفية على الطلاب حتى عندما يعودون إلى المدرسة تدور النقاشات حوله، لأنه على لسان الحيوانات تدور حوارات حول قصص الديمقراطية وطبائع الناس في المجتمع كل شخص له دوره فقلنا هو مستمر من أيام ديدبة وابن المقفع والجاحظ ولافونتين، والكتاب هو لجورج أورويل من عام 1945 وقد تنبأ فيه بأمور تحصل الآن وقد أحببت فيه أن هناك أطفالاً معجبين بالبرنامج وهذا تأكيد على كلام د. هاني حيدر وهذه التجربة صادف انطلاقها في رمضان.
الأبعاد الإنسانية للرواية
في تصفّح عاجل لمضمون الرواية نلمس المفاهيم الإنسانية والأخلاقية الكثيرة التي تنطوي عليها، من هنا تأتي ضرورة تحليل هذه المفاهيم التي أراد الكاتب انتقادها بأسلوبه الأدبي من خلال كتابته الرواية مع الأخذ في الاعتبار توجهات وأفكار الكاتب السياسية. إضافة لتحليل الشخصيات الأساسية في الرواية وتحليل الجانب الإنساني لكل شخصية، فرغم أن الكاتب حاول انتقاد شخصيات سياسية من واقع الحياة إلا أنه استخدم شخصيات من الحيوانات في روايته حتى لا يكون النقد مباشراً وليتخفى في إطار خيالي بعيد عن الواقع.
وفي الموسم الرمضاني الماضي أعادت الإذاعة التجربة مع الكادر ذاته عبر كتاب مهم ومثير هو “الأمير الصغير” الذي يستمد خصوصيته من حياة كاتبه الذي انشغل بالهمّ الإنساني وسعى إلى الغوص في جوهره عبر التأمل والحكمة باحثاً عن المعنى الروحي للوجود. وهو القائل: “لا نرى إلا بواسطة القلوب، وجوهر الأشياء لا تراه العيون”.
“الأمير الصغير” ومتعة المغامرة
ويختصر الكتاب كلّ ما كان يهواه الكاتب أنطوان دو سانت اكزوبيري الذي يقول عنه أصدقاؤه إنه “لم يكن يهوى من الحياة سوى اللهو والغناء والرسم”. من هذه الهواية تطالعنا رسوم كانت ولادتها نتيجة لقاءات وصداقات ومصادفات، تمّ جمعها من حول العالم، مع رسائل كان وجَّهها إلى الأصدقاء والعائلة وتحمل تواريخ مختلفة، وتتوزع على قارات ومدن زارها الطيار المغامر ومنها الجزائر،الدار البيضاء، نيويورك، باريس…
لقد شكّل كتاب “الأمير الصغير” حالة من الدهشة والسحر لكل من قرأه، فهذه القصّة تُشكّل جزءاً من طفولة الكثيرين في العالم، وهناك جهات إعلامية وفنية وثقافية كثيرة جهدت لتقديم مسرحيات مقتبسة عنها، ومعارض وندوات وطبعات جديدة للكتاب، وإنجازه كفيلم سينمائي وكانت “منظمة أنطوان دي سانت إكزوبيري” قرّرت تحويل رسوم القصة إلى صور ثلاثية الأبعاد كي يتمكّن المكفوفون من قراءتها، وقامت أيضاً بترجمة الكتاب إلى رمز «بريل» الخاص بفاقدي البصر. من هنا جاءت “عالمية هذا الكتاب الذي أضحى قصّة كلّ الأمكنة والأزمنة.
وفي عودة إلى تجربة “الكتاب الإذاعي” التي تميزت إذاعة “شام أف أم” في تقديمها، فهي تجربة مهمة وضرورية خاصة في وقتنا هذا حيث أصبح الكتاب يعاني أزمات كثيرة تبدأ بغلاء سعره مروراً بتراجع القراءة ومنافسة وسائل الاتصال المتعددة التي شغلت الناس ليس عن القراءة فقط بل شغلتهم حتى عن أنفسهم والتواصل مع أسرهم ومجتمعهم. من هنا نتمنى على القائمين على إذاعة “شام أف أم” أن يستمروا في هذه التجربة الهامة، ونتمنى على باقي الوسائل الإعلامية الأخرى من إذاعات وقنوات تلفزيونية أن يلحظوا في خططهم البرامجية برامج تماثل في أهميتها تجربة “الكتاب الإذاعي” التي طرحتها “شام أف أم”.
سلوى عباس