كيف يلتحن الأدب و يطيب لحن الحياة
كيف يلتحن القول عروة وثقى من جماليات مكتوبة هنا وهناك, كيف الأيام تلتحن بأقوال مأثورة وأفعال متوهجة الكلمات. يقال التحان الشيء في ماهية الأشياء الجميلة يؤكد مرة ثانية إننا نشتاق لفلسفة الجمال الوجودي، نشتاق لزمنٍ يكتبُ لنا قصائد شاهقة المعنى كطودٍ يثبت أوتاده الفعل المستقيم. يقال ألف أغنية إن طار الحمام الزاجل أو حتى غط على غصن زيتونة لا شرقية ولا غربية, حمام يغط على شرفات الزمن الياسميني, زمانٍ ما زال يعيش فينا, يلقي سلامه علينا ولو من بعيد, من تخوم الدنيا الموجوعة, الزمان الأكثر تحناناً لكل شيء جميل. كيف يلتحن القول وتلتحن الأفعال وتصبح مقدسة الانتماءات؟! مقدسة الانصهارات في بوتقة الجمال الحقيقي, في بوتقة أسماء وأفعال الزاهرة المنشأ كما تراتيل زاهرات تصب قول أي شاعر في المعنى أو معناه الأسمى والأفضل على حدٍ سواء. ويلتحن القول جلباب من القصائد يلبسنا قبل أن نلبسه ويطرز وقتنا بمعلقات الشعر الجاهلي وليس الزمن الجاهلي. وسيّان بين الأمرين، بين الجلوس في بارات الأندلس واستقراء جماليات الأدب الأندلسي الشيء بالشيء يذكر, يُقرأ ويغيّب عن ظهر قلبٍ أو حبٍ, عن ظهر قولٍ ويلتحن الحنين مرة أخرى إلى الذات الإنسانية الأولى وعطشها المستمر ولهبها المستعر, فتظهر الأقوال وكأنها أسطورة من أساطير الزمن اليوناني الإغريقي التي تسكن مكتبتنا, وتتودد إلينا كمعصمٍ يريد أن يسوّر يدنا, يسوّر كل شيء نحلم به , ويكونُ لنا كما مجد الأيام يناديه بردى، وفعلاً يقود ذواتنا إلى صفحات راقية الأشياء يقودها إلى ميادين تبزغ بها شموس الفروسية وتسألُ أين الفرسان؟! وفرسان الحياة بالتحديد أين صاروا؟! وعلى أي كوكب تقيم قصائدهم, قصائد البطولة. وتلتحن الرجولة في كروم مرّ بها الأنقياء وتهادى قولهم شعراً وفعلاً، متين البنين والبيان, تهادى صمتهم ملتحن الأقوال والأفعال يصرخ بنا, بشتائل التبغ العنيد وسنابل القمح المقدس، إنه النثر يفتعل بنا ونفتعل به و يكتبنا بجمل بها يلتحن بريق الجمال القرنفلي, إنه النثر يكتبنا هنا علامة من علامات الأدب الحديث، علامات حب تحتاج أكثر ما تحتاجه إلى قولٍ معروف, إلى صدقة من الكلمات الطيبة ويسأل كيف يلتحن الأدب بنا ونلتحن بتلك القصيدة ونعود إلى أحرفها الموصولة بأزمنة ما. ويلتحن الزمن بكل تجلياته الراقية إلى ساعة سحرٍ وإلى أزمنة الحق الضائع والصوت المقهور، صوت الأرض لأبناء القداسة بناة الحق, بناة العشق الإلهي كم من الأقوال لم تلتحن إلى اليوم؟! لم يبزغ معناها الحقيقي، معناها الذي نشتاقُ له ويلتحن القول في بدايات عشقٍ متلهف لزمن البدايات, لزمن القول المقترن بالعمل ويلتحن القول بكاء من السفرجل نريدُ أن نمحيه من على خارطة وجودنا, نريد أن نقف على الأطلال ربما وننادي الزمان الماضي بفعله التليد, ننادى بردى ومجد الأيام، ننادي التميز والتفرد ونتعلم كيفية الاشتياق له، الاشتياق لمعلقات الرقي, لمعلقات شعرٍ وفعلٍ و كل شيء ممكن أن يمدنا بأوكسجين التفاؤل وبالقدرة على البقاء، ويلتحنُ القول في أحجية الفعل القائم, الفعل الذي يبلور شيء من الرقي الأوركيدي الأكيد. ويبقى السؤال واقفاً على شرفات بيتنا القديم الجديد، السؤال الذي يطرح ويضرب أرقامه: كيف يلتحن القول في أصدق وأبهى تجلياته؟! كيف يكون ترجمان أفعالنا الواعية والهادفة في ذات الوقت؟! كيف يكون قول قدسي الفعل عندما يلحتن أدبه ويطيب لحن الحياة.
منال محمد يوسف