البعد عن الـمبـاشـرة والاهتمـام بالأفلام الوثائقية
نجحت د. أيسر ميداني باستقطاب أعداد كبيرة من الحاضرين ليدخلوا عالم الفكر الوطني الملتزم من خلال عوالم الثقافة السينمائية التي أطلقت عليها مصطلح: “سينما حياتية” للبحث عن مفاتيح تربط بين قضايا تعالجها الشاشة الكبيرة، وتعكس تبعاتها على حياتنا، مؤكدة أن عدد الجمهور يدل على الصمود والتحدي ومقاومة الإرهاب، ويؤجج القدرة على التشبث بجذورنا وأرضنا، وهو دعوة أيضاً إلى كل الشباب بألا يغادروا وطنهم الذي يحتاج إليهم.
وتهدف د. أيسر ميداني، مؤسسة جمعية أحفاد عشتار من خلال النادي السينمائي، بالتعاون مع المؤسسة العامة للسينما، والذي يقام في سينما كندي- دمشق، إلى اطلاع الجمهور على إنتاجات الشباب بعرض أفلامهم التي لا تعرض إلا في المهرجانات، والتعريف بما يقدمه الشباب في المجال السينمائي، ونحن نعيش هذه الحرب الضروس.
وتوجد في خطة د. ميداني أيضاً فكرة تناول الأفلام الهادفة على الصعيد العربي والعالمي التي تدخل ضمن الخط الثقافي السياسي الملتزم، والتي تكون في الوقت ذاته مواتية للواقع الذي يحيط بنا كالتعريف بالامبريالية والديمقراطية المقنّعة في الغرب، وكيف يُعامل العرب هناك مثل الفيلم الفرنسي: “ويل كم” الذي يعالج هذه الفكرة، وسيدرج ضمن برنامج النادي السينمائي.
ولا تسعى د. ميداني لاستضافة لجنة فنية متخصصة بالتقنيات والخصائص السينمائية، لأنها تنشد تأسيس قاعدة سينمائية كبيرة لمشاهد يريد أن يخرج من هذه الحرب، ويحاول إعادة إعمار بلده، والإعمار لا يكون بالأبنية والبنى التحتية، وإنما بإعمار الفكر الإنساني والثقافي أيضاً.
وفي الجلسة الأخيرة من النادي السينمائي، سُلط الضوء على تجربة المخرج السينمائي المهند كلثوم، فعُرض فيلماه: البرزخ، وتوتر عالي” بحضور الكاتب سامر محمد إسماعيل، وأبطال الفيلم: مي مرهج، والنجم العالمي أديب قدورة الذي أثنى على دور الشباب لمتابعة المسيرة السينمائية، والمخرج المهند كلثوم.
ومن المعروف أن فيلم “البرزخ” هو الفيلم الوحيد- الديكودرامي المتداخل مع التسجيلي- الذي وثّق حادثة اختراق الشباب الفلسطيني والسوري الأسلاك الشائكة في الجولان في الذكرى الثالثة والستين للنكبة في الخامس عشر من أيار، والخامس من حزيران، ومن ثم وثّق حادثة دخول الشابة رشا فياض الأراضي المحتلة من مجدل شمس إلى بحيرة طبريا، واعتقالها من قبل العدو الصهيوني إلى أن سُلمت إلى الصليب الأحمر، أما فيلم “توتر عالي” فيعالج الأزمة بأسلوب غير مباشر، مظهراً انعكاساتها على سلوكياتنا ويومياتنا، ليأتي الإسقاط واضحاً في المشهد الأخير حينما تصرخ البطلة يا شام مستحضرة حرب السفربرلك.
الحاجة إلى أفلام وثائقية
أثار الحضور جملة من المسائل والإشكاليات التي تمت مناقشتها من قبل المخرج والكاتب والنجم قدورة، أهمها حاجتنا إلى الأفلام الوثائقية التي توثق البطولات في كل المناطق ضمن إطار الأفلام التسجيلية بلقاءات مع المعنيين أو أهالي الشهداء، وأجاب المخرج كلثوم عن تساؤلات تتعلق برسالة الفيلم المنطلقة من مفهوم حق العودة، وإلغاء مقولة العدو الصهيوني: “الكبار يموتون والصغار ينسون”.
التضمين بعيداً عن المباشرة
وفتح فيلم “توتر عالي” باب النقاش حول المباشرة في الطرح الفني السينمائي من خلال بعض الأفلام التي تعتمد التقريرية، وتأتي الصورة البصرية أشبه بالنشرة الإخبارية، رافضين هذه المباشرة، وأوضح كلثوم بأنه يختلف مع بعض السينمائيين الذين يقحمون أزيز الرصاص والسيارات المفخخة والتفجيرات ضمن أحداث الفيلم، ويرى بأن السينما محاكاة للواقع من منظور آخر يعزف على إيقاع مختلف يمنح المشاهد مساحة من الخيال ليكتشف ما تحمله المشَاهد ويحلل رسائلها، وهذا انسحب ليطال مصطلح التضمين الذي أشار إليه الكاتب سامر محمد إسماعيل، ففيلم “توتر عالي” تضمن أيضاً نقداً للأعمال الدرامية التلفزيونية التي شوّهت المدينة السورية، وأظهرت العشوائيات على أنها مسرح للجريمة والانحراف، في حين هي موضع لحطام الشريحة المتوسطة من المجتمع السوري بكل انتماءاته وأطيافه.
اقتراحات وتساؤلات
رشا فياض كانت أنموذجاً للصورة الواقعية للمرأة الإيجابية التي يجب أن تشغل مكاناً في السينما السورية والدراما بأنواعها، وهذا ما دعا إليه الحضور، إضافة إلى تبني نصوص ملتزمة على الصعيد السينمائي والتلفزيوني، وتناول موضوعات أعمق من التخريب والصراع والطائفية، موضوعات تتعلق بخلفيات الأزمة، وانعكاسها على سلوكياتنا اليومية.
وفي نهاية الجلسة اقترح الجمهور من خلال وسائل الإعلام وصفحات البعث عرض فيلم “البرزخ” في التلفزيون العربي السوري، متسائلين عن سبب رفض عرضه، ومطالبين بإنجاز أفلام وثائقية وتسجيلية، كما اقترح المخرج كلثوم أن يتم التنسيق بين وزارة الثقافة ووزارة الإعلام للتشاركية بإنتاج هذا النوع من الأفلام؟!.
ملده شويكاني