ثقافة

“ألف شمس مشرقة” وامتلاك شجاعة الحلم

خلافاً لرأي والدتها وتحذيرها المتكرر لها، تصر”مريم” ذات الخمسة عشر ربيعاً على زيارة والدها “جليل” في منزله حيث يقيم مع زوجاته الثلاث في المدينة، كان الأب يزور العائلة الصغيرة بشكل دوري يغدق على فتاته، حبه وعاطفته التي تقابلها الأم بالسخرية على الدوام، في محاولات يائسة كي تجنب صغيرتها صدمات المستقبل، التي ستكسر قلبها طويلاً. لكن مريم  تذهب خلف رغبتها تلك، وبالرغم من تخلف الأب عن الموعد الذي انتظرته طويلاً فكرت: “إنه رجل أعمال.. شيء ما أخّره”.

خيبة وانكسار
“عادت إلى الجدول، وانتظرت مدة أطول، طيور سوداء تحلق وتغطس في العشب، راقبت الفراشات تتحرك على الأشواك، انتظرت حتى تعبت قدماها، لكنها هذه المرة لم ترجع على المنزل، بل رفعت بنطالها حتى ركبتيها؛ وعبرت الجدول، وللمرة الأولى في حياتها نزلت التل إلى”هيرات”.
ستذهب مريم في زيارتها تلك وسوف تعود منها وقد ملأت روحها الخيبة، على الأقل سيخيب أملها بوالدها، لن يعود أبداً كما عرفته من قبل، كان وهماً، حلماً جميلاً حطمته تلك الزيارة بقسوة شديدة، ستعود لتكتشف المأساة الأكبر والمشهد الذي لن يفارق مخيلتها إلى الأبد” رأت الريح تعصف بالأغصان المتدلية من شجرة الصفصاف مثل ستارة، وهناك رأت مريم ماذا يوجد على الشجرة، كرسي قابل للطي مقلوباً، الحبل يتدلى من أعلى الغصن، ونانا معلقة في نهايته” لقد شنقت الأم نفسها خشية العيش وحيدة بعد رحيل صغيرتها الوحيدة، “نانا” التي كانت تعمل في منزل “جليل” تخدمه وزوجاته الثلاث، والتي حملت منه ذات يوم؛ وكي لا يلحق العار بسمعته وبيته، اختار أن يجهز للطفلة والوالدة مسكناً بعيداً عن المدينة، بيتاً بائساً على ضفة النهر، بعيداً عن العالم كله، حيث تكبر مريم وتكبر معها الأحلام.

شمس جديدة
بعد رحيل الأم ترغم مريم خلافاً للمرة السابقة، على العودة للعيش مع والدها وبقية إخوتها من الزوجات الثلاث اللواتي سيحكمن الخطط للتخلص منها عبر زواج مدبر من رشيد البشتوني الذي يعمل كصانع أحذية في العاصمة كابول، سترحل معه كمن تساق إلى حتفها، وهناك سيفرغ رشيد على مسمعها وعلى جسدها الغض كل ما تحمل سنوات عمره من عقد نفسية وعجز جسدي، وحقد على الحياة التي حرمته في لحظة ما من ابنه الوحيد “ابنة حرام” صفة كانت الأم تنعتها بها وعلى يد رشيد سوف تعي المعنى لها.
تحمل مريم وتخسر في لحظة ما جنينها، بعدها ستختبر الحياة مع رجل لا يعرف معنىً للإنسانية، إلى حين تشرق فيه شمس جديدة أمامها تضاهيها؛ لا بل تفوقها إشراقاً، سوف تشاركها بيتها وحياتها والزوج، ليلى الجميلة ابنة معلم المدرسة المطرود من وظيفته؛ الشيوعي الذي يخشى دوماً زوجته التي لا تتسامح مع آرائه المتفقة مع الشيوعيين، لقد خسرت ولديها فبات كل اهتمامها وعملها الجلوس والدعاء:
“المهمة الوحيدة التي لم تهملها”مامي” هي الصلوات الخمس، كانت تنهي كل صلاة ورأسها منخفض إلى الأسفل، يداها مفتوحتان أمام وجهها تتمتم بصلاة لله ليجلب النصر للمجاهدين”
وليلى حبيبة طارق ذو الرجل الصناعية والذي ستحمل منه قبل أن تدفعها الأحداث إلى تغيير مخططات حياتها بعد أن تفقد من بقي من عائلتها خلال القصف الذي تعرضت له العاصمة كابول ذات يوم، حيث بات الموت يتفنن في أخذ أرواح الناس، كان ذلك قبل أيام من مغادرة العائلة إلى باكستان حيث سبقها طارق إليها، ستلقي بها الأقدار إلى دار رشيد الذي أنقذها من بين الحطام والدمار واستضافها في منزله لغاية في نفسه، بينما اعتنت بها مريم حتى شفيت من جراحها، وفي ليلة ما تلمح مريم في حديثه مع الفتاة؛ نوعاً من الغزل الذي سيؤكد لها عندما خيّرها بين أن تقبل زواجه من ليلى التي لم تتجاوز الرابعة عشرة، وبين أن يتركها في الشارع لتواجه مصيرها على أيدي رجال طالبان”قال لها وهو يفرك أسفل قدمه بكعب قدمه الأخرى الخشنة: تستطيع أن تغادر لن أقف في طريقها، لكنني أتوقع أنها لن تذهب بعيداً، لا طعام، لا ماء، ولا يوجد روبية في جيبها، الرصاص والصواريخ في كل مكان، كم عدد الأيام التي ستصمد فيها كما تظنين؛ قبل أن تختطف، تغتصب، أو ترمى في طريق جانبي مذبوحة؟ أو الأمور الثلاثة معاُ”.
ستقبل ليلى الزواج وليس أمامها خيار، وعليها أن تسرع قبل أن ينكشف سرها، الجنين الذي تحمله سيبدل حياتها وحياة رشيد، الذي يريده صبياً يستعيد به وحيده الذي فقده، لكنها”عزيزة” هي الفرد الجديد في العائلة والتي سيصب عليها وأمها غضبه وساديته اللامتناهية، عزيزة التي ستصبح الفاصل والواصل بين سيدتا الدار، ستصبح الزوجتان أجمل صديقتين، في مواجهة دائمة مع زوج عدو لهما، وفي نهاية الأمر لم تكونا سوى ضحيتين أرغمتا على الزواج من جلاد واحد، ولذا تخطط مريم وليلى للهروب من بطش رشيد، في لحظة ما تقول ليلى لصديقتها مريم هامسة:”سنغادر في الربيع عزيزة وأنا، تعالي معنا مريم” وعندما تنجحان في الخروج والوصول إلى محطة الباصات؛ يغدر بهما رجل بعد أن يحتال على ليلى ويستولي على نقودها، لتعودا إلى رشيد حيث الضرب والتشويه، ولا سبيل للخلاص، طالبان في الخارج ، حيث حرّمت الموسيقى، السينما، الصور، أجبر الرجال غلى إطلاق لحاهم ، والحجاب وعدم الخروج دون مُحرم للنساء، ورشيد في المنزل، لكن مريم تستجمع في لحظة ما، كل قوة في روحها، لتقتله في محاولة منها لإنقاذ ليلى من بطشه”لقد وجدت في ليلى وابنتها امتداداً لحياة لم تستطع عيشها”، بالطبع لن يخفى الأمر طويلاً، تسلم نفسها للطالبان حيث تحاكم  وتدخل السجن ثم يتم إعدامها، بعد أن أصبحت ليلى  في الباكستان حيث تجمعها الحياة من جديد بطارق، سوف يتزوجان، ويعودا إلى الوطن، لإنشاء دار للأيتام بالمال الذي تركه جليل وديعة لابنته مريم لدى صديقهما المشترك الملا فايز الله، في محاولة لرعاية شموس صغيرة ستسطع يوماً ما على يد ليلى وطارق، بعد زوال حكم طالبان.
< ألف شمس مشرقة رواية نقل من خلالها الحسيني الأفغاني الذي عاش في أمريكا؛ نظرته الشخصية ورؤياه الخاصة عن الحب، عن الحياة بكل مناحيها السياسية الاجتماعية والاقتصادية، في أفغانستان قبل وخلال؛ ثم بعد حكم الطالبان، مبرراً غزوها بطريقة أو بأخرى.
وبالرغم من أننا لا نوافقه آراءه وغاياته، والأدب لابد أن يمتلك رسالته، إلا أنها تستحق أن تقرأ برويّة، إذ تبقى رواية سلسة ممتعة بلغتها، غنية بالأفكار والشخصيات، تغوص عميقاً في العلاقات الإنسانية المعقدة، وتفاصيل الحياة اليومية الدقيقة، أحداث مثيرة وغريبة تتطور بمنطقية مدهشة؛ في عرض حقيقي لطبيعة ما تعرضت له تلك البلاد من أحداث مختلفة وتقلبات في الحكم وبالأخص تلك التي أتت صورة طبق الأصل عما يجري من قتل وخطف وذبح، وتدمير للبنى والآثار في العديد من بلداتنا وقرانا على امتداد الوطن، ومن جهة أخرى هي رواية تدافع وبشدة عما يعد حقاً طبيعياً للمرأة في فرص التعليم والعمل والحياة الكريمة.
بشرى الحكيم