ثقافة

تجديد!

غسان كامل ونوس

لفتني قول لخبير تغذية؛ معلِّقاً على نظام صارم لحفظ الوزن: إنّ من المهمّ الخروج على هذا النظام كلّ حين ليوم واحد؛ فيأكل المرء ما يرغب به بلا حساب، حتّى لا يستكين الجسم للرتابة، ولكي تعود آليّاته إلى النشاط من جديد. ومن الضروريّ، في أثناء تنفيذ أقنية مائيّة مديدة، وبميول منتظمة، أن يوضع كلّ مسافة محدّدة جزءٌ بمستوى منخفض أكثر ممّا يجاوره، حتّى تتغيّر حركة الماء الجاريّ، فيتسارع، ويمضي بحيويّة أكبر مسافةً أطول. أليس هناك كثير ممّا يحتاج إلى أن نستفيد من هذه الحال في تحريكه، أو تحفيزه، في حياتنا الشخصيّة والعامّة، في الوظيفة وخارجها؟!
وإذا كانت مسؤوليّة الأمور الشخصيّة تعود إلى الشخص نفسه، مع أنّ منعكساتها لا تتوقّف عنده، أو عليه؛ بل تصل إلى معايشيه، ومعالقيه، حتّى فيما هو أبعد من الحيّز الشخصيّ مزاجاً وتفاعلاً، فإنّ القضايا العامّة تعني المسؤولين فيها وعنها، وتتعلّق بمن يخطّط، وما يُخطّط له، ومن يقرّر، ومن يتلقّى الأوامر والتعليمات، ومن ينفّذ، ويشرف، ويراقب، ويستثمر، ويقوّم.
ومن المهمّ أن يُلحظ ذلك في سياق العمل تنظيراً وتنفيذاً؛ ابتداء من أصغر مهمّة، حتّى مسؤوليّات كبرى.
ففي العادة راحة ورضا كاذب وقتل للمبادرات، وتعطيل للحاسّات؛ وفي التكرار ملل وبرودة وموات لخصال ومَلَكات وإمكانيّات، ولا بدّ من حوافز للقيام بمبادرات إذا ما انعدمت أو قلّت، ولا بدّ من أنشطة تستدعي حوافز مادّيّة أو معنويّة. والارتهان إلى واقع، مهما بدا مريحاً ومنتجاً، يقلّل من فرص التطوّر، أو يلغيها، ويجعل العناصر تجترّ المعلومات والخبرات، من دون تفعيل أو إغناء أو استزادة. إن مجرّد دخول عنصر جديد، أو تجديد في ما هو قائم، يمكن أن يحرّك البِرْكة الراكدة، مع ما نلاحظ من نفور حياله، لدى “القائمين عليها”، ورفض مبطّن أو معلن، مع ما يمكن أن يقدّمه هذا الجديد أو المستجدّ من فائدة؛ بل قبل التساؤل عن مقدار هذه الفائدة ومداها، تبدأ عمليّة التعطيل.
إنّ في التغيير المدروس فوائد لا تقدّر، ولا يمكن حسابها؛ لأنّها قد تأتي من انعكاسات خارجة عن العدّادات المعروفة، وطرق التعبير المألوفة؛ فكلّ عنصر موجود، سيجد نفسه مضطراً إلى مراجعة أحواله، وأدائه، وعلاقاته؛ كي يثبت للقادم الجديد، أو الوافدين الجدد أنّه أصيل جدير بالثقة، وقد كان، فيما سبق، مطمئنّاً إلى علاقته مع هذا المسؤول أو ذاك، حتّى لو كان مراقب دوام!
لكن التغيير العشوائيّ، يخرّب ما كان منتظماُ، ويجعل الأمور تعود إلى درجة دنيا، ليبدأ البناء، أو لتُستهلّ محاولة البناء من جديد، وفي هذا خسارة مضاعفة في الجهد والمال والوقت والأمزجة، لكنّ الخوف من مثل هذا التغيير، يجب ألّا يكون سبباً في إبقاء الأمور على ما هي عليه زمناً مديداً.
لكن التغيير، أيّ تغيير، يجعل الجميع في حال تحفّز، وتوفّز، واستنفار، وتنبّه وترقّب، وسيأخذ الجميع جانب النظام والقانون، حتّى لو كان ذلك وقتيّاً، في انتظار جلاء الموقف، ومعرفة من أين تؤكل الكتف، أو يقضم التشريع، أو يُحتال على الرقباء. وحتّى تعرف مفاتيح الجديد، أو ثغراته ونقاط ضعفه، ومفاصل تحريك أعضائه، أو شيفرات التأثير على قراراته.
وإذا ما كانت النفس أمّارة بالمناصب والمسؤوليّات والكراسي، حتّى لو كانت زئبقيّة دوّارة؛ فإنّ من المهمّ لحظ ذلك أو إقراره، في المبادئ والقوانين والأدبيّات، التي تخصّ أيّ مجال أو ميدان. وهذا ليس تسريباً للكفاءات، وتخريباً للّبنات؛ كما يدّعي بعض الخاملين المستكينين الخائفين؛ فإنّ التبرّع بالدمّ يفيد الجسم في تنشيط دورته الدمويّة، من دون أن تطلب ذلك التبرّع جهة، أو ينتظر ذاك الدم أحد.
وإذا كان المسؤول ناجحاً، فليرقَّ إلى مستوى أفضل، وإذا لم يكن كذلك، أليس من الأولى التخلّص من وجوده وهيمنته وتبعاتهّ!