ثقافة

بعد تألقه في “زهرة الياسمين” زهير بقاعي: من حق الطفل أن يرى ما يراه الآخرون

بدا الفنان زهير بقاعي سعيداً بمشاركته في مسرحية “زهرة الياسمين” التي قُدِّمت مؤخراً على خشبة مسرح القباني والتي تألق فيها، مشيراً في حواره مع “البعث” إلى أنه كان سعيداً ومستمتعاً بالعمل فيها، خاصة وأنها حققت حضوراً جماهيرياً كبيراً، مبيناً أن العمل كان يحمل أهم قيمة في الحياة وهي قيمة الحب الذي يبني ويكتمل الخلق من خلاله ويصبح كل شيء أجمل وأبهى، منوهاً إلى أن المخرج وليد الدبس عمل على كل معطيات العرض الناجح فأدخل خيال الظل والمشاهد البصرية والغناء والرقص والقصة والمفاجآت.

المسرح مرآة الحياة
ولأن موضوع “زهرة الياسمين” مستوحى مما تتعرض له سورية اليوم رأى بقاعي أنه لا  ضير من أن نضع الطفل في صورة ما يتعرض له بلدنا لأن المسرح مرآة الحياة ومن حق الطفل برأيه أن يرى ما يراه الآخرون ولكن بطريقة تخص الطفل والطفولة، موضحاً أن المسرح يجيب عن كثير من التساؤلات التي تدور في ذهن الطفل ليكون الأهم برأيه هو ما الذي تقوله هذه العروض وهل تدعو للكراهية ونبذ الآخر والعنف أم تدعو إلى التسامح والحب؟ مؤكداً في الوقت ذاته أنه لا يتصور أبداً أن عروضاً في سورية ومنذ أن بدأ المسرح قد دعت إلى تبني ولو فكرة سيئة واحدة بل كانت على الدوام تقدم الأفكار النبيلة. من هنا رأى أنه من واجبنا أن نقدم للطفل بعض ما يدور ولكن بشكله الأمثل والذي يبنيه كإنسان محب وخيّر كي لا نخطئ باتجاه طفلنا أو نخدش الطفولة البريئة.

فسحة لاستنشاق الهواء النظيف
ونظراً لعلاقته الوثيقة بمسرح الطفل يحزن بقاعي لأن كثيرين لا يفصحون عن استهتارهم بمسرح الطفل، في الوقت الذي يتفاخرون علانية به ويتغزلون وهم في حقيقة الأمر لا يقيمون له وزناً وينظرون إليه بفوقية ولا يقبلون أن يعملوا فيه، لأنهم كما أشار لا يدركون قيمته وهو مسرح المستقبل، مبيناً أن علاقته مع مسرح الطفل جاءت بشكل عفوي فما إن عمل فيه حتى وجد رحابة واسعة من اللعب الممتع ومن التذوق العذب لهذا العالم الذي يعود فيه الممثل إلى هذه المرحلة البريئة، وهذا ليس كلاماً إنشائياً برأيه لأننا جميعاً بحاجة لملامسة الطفل الذي يسكن داخلنا كي نتطهر ونستمتع بالعطاء والدهشة وحب الآخر. من هنا فإن مسرح الطفل بالنسبة لبقاعي فسحة لاستنشاق الهواء النظيف الذي ينبهه إلى الألوان والأصوات والنباتات والحيوانات، وكأنه يتعرف عليها الآن فيخربش ويلون على الأوراق البيضاء ليرى ما تصنعه يده المتعثرة ويركض ويقع كي يضحك ويضحك من معه، مبيناً أنه يتعامل مع هذا المسرح بلباقة وحب ودون استهتار أو ابتذال، كي يقدم لطفله الأفضل دون أن ينسى مفرداته ومصطلحاته، ودون أن يتغاضى عن الحركة النشطة التي تعنيه كثيراً.

الوله بالشخصية
وفي تعامله مع الشخصية الموكلة إليه من قبل المخرج أوضح بقاعي أن الشخصية لا تعنيه كثيراً على الورق حتى ولو كانت عميقة ومغرية للتجسيد، فإذا كانت مكتوبة بحنكة وذكاء فلا بد أن يكتبها بدوره على خشبة المسرح بحنكة وذكاء وإتقان، لأن الأهم بالنسبة له هو كيف ستظهر الشخصية على الخشبة وليس على الورق، وهنا جوهر عمل الممثل، وما أن يسند له المخرج شخصية ما حتى يبدأ بالتركيز على كل ما له علاقة بها حتى لو كانت خيالية أو عبثية فيصبح شرهاً للنظر في عيون الناس ومتابعتهم والركض خلفهم كي يكتشف من أين جاءت هذه الشخصية المكتوبة، بالإضافة إلى النقاش مع المخرج والبحث في الكتب والصحف والإنترنت عسى أن يعثر ولو على كلمة أو جملة أو تفسير يمكن أن يضيء له جانباً من الشخصية، وغالباً ما يقوم بتجميع ملامحها من عدة نماذج في الحياة، ولكن أولاً وقبل كل شيء لا بد أن يحب الشخصية إلى حد الوله ليكون مقتنعاً بها وإلا لن ينجح، والأهم فيما بعد برأيه أن يقدمها ببساطة وأن يمسح أي نتوء أو تصنّع قد يشوبها لتستقبل الشخصية لدى المتلقي وكأنها خرجت الآن من بين صفوف الصالة، عندها يعتقد بقاعي أنه سيتم التواصل ما بين المتفرج والممثل في مسرح الصغار، مشيراً إلا أنه غالباً ما ينظر إلى الجانب الطريف من الشخصية الموكلة إليه، وما إن يراه حتى يبدأ وكأنه الخيط الرفيع الذي سيغزل عليه ملامح الشخصية، إيماناً منه أن هذا الخيط الرفيع (الجانب الطريف) هو الذي سيقوده إلى اللعب والحركة والاقتراب من روح الطفل ثم يقوم بتضخيم السمة الأساسية للشخصية حتى تصبح بارزة وواضحة مع استعارة صوت ما إن احتاج الأمر، وبعد رسم كل هذه الأمور يطلق لنفسه العنان فتصبح الشخصية تتكلم وتتحرك وكأنه لم يكن هناك تحضيرات مسبقة، لينتظر بعدها وبفارغ الصبر من الطفل المتفرج أن يرفع له يده ملوحاً بابتسامة أو ضحكة مؤشراً لنجاحه.

مسرح الحلم
ولحضور بقاعي المميز والمحبب على خشبة مسرح الصغار وسؤاله عن إمكانية أن يحقق هذا الحضور أي ممثل أم أن مسرح الصغار بحاجة لممثل بمواصفات معينة، بيّن بقاعي أن مسرح الصغار بحاجة لممثل يؤمن بهذا النوع من المسرح، لذلك لا بد أن يمتلك الروح الطفولية وحب الدعابة ليجعل الأطفال يصدقون أنه مثله، من هنا فإن مسرح الصغار برأيه يبدأ باللعب الحقيقي والانفلات من تعقيدات الحياة، عندها يكون الممثل جاهزاً لكي يجعل الشخصية تخرج من الورق إلى الخشبة بشكلها الحي والملون، فتصبح طازجة وفيها الكثير من طبائع الطفولة العذبة، منوهاً إلى أن الممثل الجاد يمكنه اكتساب هذه المواصفات أو جزء منها، وإن حقق نجاحات أقل كي يستطيع أن يدخل هذا العالم الجميل والمدهش.
وما بين مشاكل مسرح الكبار ومسرح الصغار أوضح بقاعي أن أهم مشاكل المسرح الأول بالنسبة له أنه لم يأتِ المخرج الجسور ذو الخيال الملتهب والخصب الذي يهتم بالممثل الإنسان وذلك كي يساعده على تقديم كل ما بداخله بالشكل الأمثل فيجعله يطلق طاقاته الإبداعية للأقصى لأن الممثل مهما أجهد نفسه كي يقدم الأفضل لا بد من وجود ذاك المخرج الذي يمتلك ذهنية خلاقة وعيناً مفتوحة فيلتقط ما قد يفلت من الممثل من لحظات صادقة وذات وهج استثنائي فيثبتها خدمة للشخصية، أما بالنسبة لمسرح الصغار فلا مشاكل فيه لبقاعي لأنه الحلم الذي يحلم كل ممثل بالدخول إليه ليعيد طفولة الأمس وليشعر بنكهة اللون واللعب، ولهذا يتمنى على الذين نسوا طفولتهم أن يعودوا لتذكرها وألا ينظروا إلى هذا المسرح نظرة فوقية، عندها يجزم بقاعي أنهم سيحملون أطفالهم وطفولتهم ويأتون إلى مسرح الطفل.

أنبل الفنون
وللكوميديا في قلب بقاعي شجون وهو يراها أحد أنبل الفنون لأنها تصنع البسمة والضحكة، وبالتالي هي عمل نبيل برأيه وهذا ما جعل الشاعر توفيق زياد يقول: “أعطي نصف عمري لطفل باكٍ يضحك، والنصف الثاني لوردة” وهي أيضاً فعل ضاحك راقٍ جداً وبحاجة إلى ذكاء كبير، لذلك يحب بقاعي هذا اللون من الفن ويحلم بتقديم أعمال كوميدية يكون لها طعم خاص لا يشبه السفرجل بل ضحك من القلب بعمق فكري، معتقداً ودون تواضع مزيف أنه يمتلك موهبة متميزة وحضوراً فنياً ملفتاً، لكن ربما تنقصه القدرة على إقناع المبدعين في الدراما التلفزيونية على أنه موهوب، آسفاً لأن الأداء والحضور الفني الحقيقي ليس أحد المعايير للمشاركة في الدراما، معترفاً بأنه عمل فيه أدوار صغيرة كانت مؤثرة وقد قدمها بأداء أكثر من جيد، مؤكداً أن فرصته ربما لم تأتِ بعد ولكنها ستأتي لأنه سيعمل عليها وهو مؤمن بقدوم مبدعين سيعملون بضمير بعيد عن المحسوبيات.
أمينة عباس