«ثلاثة أيام للقتل» في الأوبرا يمرر ملامح الأزمة السورية بالمباشرة والتورية
“الذئب الذي يبيع المواد المتفجرة إلى دول مختلفة من العالم ويبيعها إلى السوريين” وردت هذه الجملة ضمن التعليق على المشاهد الأولى المتسارعة لفيلم “ثلاثة أيام للقتل” إخراج ماك جي وسيناريو لوك بيسون، الذي عُرض في الأوبرا ضمن مهرجان أفلام حديثة جداً، فشكّلت أمراً لافتاً للمشاهدين وأثارت استغرابهم في خطوة غير مسبوقة بأن تدرج الأزمة السورية ضمن سياق فيلم عالمي، ليتم أيضاً تمرير ملمح آخر من ملامح الأزمة السورية ضمن مجريات الفيلم بتورية واضحة في المشهد الذي يدخل فيه البطل آثين منزله في أحد أحياء باريس القديمة ليجد عائلة أفريقية من مالي تقطنه إيماءة إلى ما يحدث في سورية.والتساؤل يجد الإجابة بأن الفيلم يحارب الإرهاب الذي يطال العالم وسورية من أكثر الدول التي تواجه الإرهاب.
يشبه الفيلم فصول رواية متشعبة المسارات والأحداث تتلاشى خطوطها في نهاية ذات وجهين في يوم عيد الميلاد المجيد. فتتتالى مشاهده التي تأتي وفق مصطلح “المشاهد المحمومة” التي تتشابك فيها الخطوط الدرامية وأبعاد القصة، ويتميز بالانتقالات السريعة للمشاهد التي تُصوّر في أمكنة متعددة تتعب المشَاهد وتشتت أفكاره. لكن المخرج “ماك جي” كان بارعاً بتسلسل مشاهد المطاردة بعيداً عن التكرار حتى بمشاهد المطاردة العنيفة المألوفة لتظهر بمشاهد أكثر إثارة وعنفاً مثل القتل في المصعد أو دفع البطل للموت تحت سكة القطار أو رمي السيارة من فوق الجسر، وركز المخرج على اللياقة البدنية للبطل آثين”كيفن كوستنر” في مشاهد المطاردة العنيفة ذات الحركة السريعة،وعلى الأداء العاطفي والإحساس الإنساني في المشاهد التي تجمعه بابنته زوي،تتخللها تقنية الفلاش باك في اللحظات الحاسمة مع تسارع اللقطة واهتزاز الصورة لحظة إصابة البطل بالنوبة الدماغية من تأثير السرطان الذي لن يمهله أكثر من ثلاثة أشهر.
قتل الذئب
المحور الأساسي للفيلم هو مكافحة الإرهاب المتمثل بشخصية الذئب ورجاله وتدور أحداثه في باريس،تبدأ القصة بتكليف العميلة فيفيان من قبل الاستخبارات المركزية بقتل الذئب،فتلاحق آثين لتستعين بخبرته كونه عميلاً سابقاً لدى الاستخبارات أحيل إلى التقاعد بسبب مرضه،بإغرائه بتقديم عقار تجريبي جديد يطيل حياته مدة شهرين مقابل أن يساعدها بقتل الذئب،فيقبل آثين ليحقق حلمه بالاحتفال بعيد الميلاد المجيد مع زوجته وابنته بعد ابتعاد طويل عنهما لانشغاله بالعمل ولخوفه عليهما مما خلق فجوة كبيرة بينهما من الصعب ردمها. ليدخل الفيلم ضمن أسرار الأساليب التي تتبعها الاستخبارات المركزية عن طريق عملائها بالتغلغل إلى الفنادق الراقية والأماكن العامة،فتتصاعد الأحداث عبر سلسلة طويلة من المطاردات العنيفة والمخيفة،لينفد المخرج من خطها إلى مداخل أكثر عمقاً بالذات ويغوص بالبعد النفسي والعاطفي والاجتماعي للبطل،فتشترك خطوط عدة داخل توليفة الفيلم كما شاهدنا،فمن خلال علاقته مع ابنته زوي يتطرق المخرج إلى حياة المراهقين والشدات النفسية التي يتعرضون لها وتنتج عنها سلوكيات عدائية،مقابل سلوكيات سيئة تقودهم إلى براثن الفوضى والانحراف من خلال مشاهد الملهى الليلي الذي تمضي فيه زوي ليلتها تعبيراً عن الفراغ والخلل النفسي الذي تعاني منه نتيجة بعد والدها عنها طيلة سنوات.يتزامن هذا الخط مع مساحة كبيرة أفردها المخرج للوقوف مع الذات في لحظات مواجهة البطل آثين نفسه وأخطاءَه في تشاركية مع مياه نهر السين المحاط بإضاءة ملونة، ساهمت جمالية اللقطة بإدخال الفيلم بجغرافية باريس مدينة الحب والجمال.
المنزل الخالي
يوضح المخرج أيضاً العلاقة الحميمة التي تنشأ مع مرور الوقت بين آثين وأفراد العائلة التي تقطن منزله والتي تدل على المأساة والمشاعر الوجدانية التي توحد بين البشر رغم اختلاف اللون والانتماء،إيماءة إلى إشراك الفيلم بملمح من ملامح الأزمة السورية يبدو هذا واضحاً في المشهد الذي يعترف فيه الرجل الأفريقي باقتحام منزل آثين لحاجتهم إلى منزل ووجدوا منزلاً خالياً، فيسمح لهم بالبقاء حتى تضع ابنته لتكبر هذه المشاعر بإحساسه بالحزن حينما اتخذوا قرار الرحيل.
في المشاهد الأخيرة تنحسر المطاردة بين آثين والذئب بمتابعة فيفيان بعد أن أحكم آثين قبضته على رجال الذئب المقربين مثل المحاسب مستخدماً حمام منزله الصغير في أحد أحياء باريس القديمة -الذي تسكنه عائلة قادمة من مالي- غرفة سرية للتحقيق معهم، وتشتد المطاردة في المشاهد الأخيرة حينما يواجه أحد رجال الذئب آثين ويحاول قطع رأسه برميه تحت سكة القطار، فيشد المخرج انتباه المشاهدين بتسريع اللقطة بنوبة الإغماء التي تصيب آثين لتتداخل مع الفلاش باك بالعودة إلى الماضي واسترجاع شريط الذكريات مع ابنته في مدينة الملاهي، ليسعفه القدر بلحظة صحو فتنقلب الموازين ويقتل مساعد الذئب، لنصل إلى المفاجأة في الحفل الراقص الذي يقيمه والد هيو صديق زوي الذي وصفته بالأرستقراطي ليتضح أنه شريك الذئب في عمليات الإرهاب في المشهد الذي يجمعهم داخل المصعد، فيتحول الحفل إلى مسرح للمطاردة ينتهي بقتل الذئب بوجود فيفيان.
شجرة الميلاد
في المشهد الأخير تنتقل الكاميرا إلى منزل ريفي منعزل وإلى اجتماع آثين وزوجته وابنته للاحتفال بعيد الميلاد على أضواء شجرة الميلاد محققاً حلمه، لكن النهاية الحزينة ستأتي لامحالة رغم هدية فيفيان التي وصلت إليه بظرف صغير والتي تحتوي على جرعة جديدة من العقار.
ملده شويكاني