ثقافة

بين الحدائقيين والمقاهيين!

أكرم شريم
تحكم الإنسان عادات وحاجات، هذا أمر معروف وطبيعي ولكن بعض هذه العادات والحاجات قد يكون لا لزوم له في حياة هذا الإنسان وحياة من يعيلهم، ولا في عمله وتطوير وتحسين عمله، ولا علاقة له في الوقت نفسه بما يملك من طموح مهني إنساني أو فني أو تجاري. فما هي هذه العادات والحاجات إذن ، والتي تحكم الإنسان وقد تتحكم به وبعمله وطموحه ولفترات طويلة من حياته وقد تمتد إلى عشرات السنين أو تكون بلا نهاية حتى نهايته!.
من هذه العادات، ومن أبسطها، وربما أطرفها: الجلوس في الحديقة العامة أو الانضمام إلى فريقه أو رعيله أو لنقل جماعته في المقهى!.
ونحن حين نتحدث عن هذه العادات والحاجات إنما نقصد الدائم والمسيطر منها على صاحبها ولفترات طويلة كما ذكرنا قد تطول إلى عشرات السنين، وهذا يعني وبوضوح أننا نستثني من حديثنا هنا كل من يدخل الحديقة أو المقهى لسبب طارئ، أو مقابلة لشأن من الشؤون، ولو دام ذلك طويلاً لأنه يأتي للقيام بعمل وليس لممارسة العادة، والمحكوم بها.فإذا حاولنا أن نحذف أعداد هؤلاء من أعداد الزبائن الدائمين في المقهى أو الحديقة لوجدنا أنهم قلائل ولا يؤثر ذلك على نسبة المداومين وخاصة المداومين لأسباب نفسية، في الحدائق والمقاهي!.
إذن.. إن وراء كل عادة حاجة!. فلا تقل لي أنك معتاد أن تفعل ذلك أو تقوم بذلك دائماً ولا توجد عندك حاجة نفسية لذلك، حتى لو كانت هذه العادة شكلية ولا جدوى منها، مثل الجلوس في (أبهاء) الحديقة الغنّاء أو الانضمام إلى الأصدقاء والمعارف والزملاء في المقهى وكأننا في جلسة سمر، أو سهرة أصدقاء أو أحباء!.
وهكذا.. فإن أول ما يجب أن نحذفه من حديثنا هنا إنما هو العتب على هؤلاء المحبين، للجلوس في الحدائق والمقاهي. فلا عتب إذن ولا مؤاخذة. بل ..احترام وتقدير .
وأيضاً نقول: لكن دون تشجيع الجلوس في الحديقة أو المقهى بعد انتهاء الدوام، على حساب الجلوس مع الزوجة والأبناء ومعرفة شؤونهم وما يحتاجون والتسلية معهم وفي ذلك طبعاً تسلية للآباء أيضاً، ومن المؤكد أن في ذلك تقوية للعلاقات الأسرية!. ولكي لا نتورط في نقد الآخرين وحريتهم في حياتهم وتصرفاتهم فإننا نؤكد أن الجلوس في المقاهي والحدائق أمر قد يكون وفي أحيان كثيرة، مفيداً لأصحابه نفسياً ومهنياً، واجتماعياً أيضاً!. وهكذا تكون النصيحة اليوم أن نأخذ ولو لمرات قليلة أفراد أسرنا العزيزة والحبيبة، الزوجة والأولاد معنا إلى الحدائق أو المقاهي. قد تقول لي إن ذلك في الحدائق ممكن، وأقول: نعم!. وهو عائلي وناجح ورائع. ولكن ماذا عنه في المقهى؟!. فأقول لك: وما أحلاها في حياتنا وبلادنا حين تصبح كذلك، إذا فعلنا ذلك فإن المقاهي كلها ستصبح عائلية!، والمقهى التي لا تريد أن تصبح عائلية فعليها حينئذ أن تنقرض!. فلقد خلق الله الإنسان فرداً من أسرة وليس وحيداً، وكم هي رائعة وسعيدة هذه الأسرة التي تذهب بكاملها وفي أوقات فراغها إلى الحدائق والمقاهي؟!