معايدة شهيد لأمّه
غسان كامل ونوس
أمّي…
وينسكبُ الضياءُ على المدى
أمّي…
وتنهضُ في السفوحِ
مشاتلُ الألقِ المندّى
بالحنين وبالأماني
أمّي…
وتُمتَشقُ البسالةُ
في لظى الوقتِ المفدّى
وتدقّ أجراسُ “الخليلةِ” في
يقينِ العروةِ الوثقى
وتهلُّ أطيافُ المحبّةِ
والتراتيلُ الشجيّةُ
وابتهالاتُ التداني
أمّي…
وتنكشفُ البريّةُ
والشعاعاتُ الأليفةُ
تنفثُ الحسراتِ والزفراتِ
تستهمي شآبيبَ الهطول
أنا غرّةٌ في تاجِ عرشكِ
-يا حنونُ-
ونفحةٌ من بوحكِ الفيّاضِ
في أرقِ الدّنى
أنا ومضةٌ من حرقةِ الوجدِ المعرّشِ
في ثنايا الفقدِ
والحَضنِ النبيل
أنا شاهدٌ من وشمِ ذاكَ العالمِ السفليِّ
لا يُغوى
ولا يَرضى –ولا ترضينَ- حشرجةَ الأصيل
أنا كلَّ آنٍ
-يا تقيّةُ-
حارسٌ للنبضِ
في (خفقِ الفؤادِ)
وشافعً للطيّبينَ القانتينَ الضارعين
وأطوف كي يبقى جناحكِ رايةً
وسلافُ شهدكِ آيةً
كي تستفيقَ نضارةٌ
كي تستزيد حكايةُ الخطوِ الجليلِ
إلى رياض الصالحين
أنا شعلةٌ
من جذوة النارِ التي أوقدتِها
وقلادةٌ من بوحكِ المبثوثِ
في شفقِ الهدى
للضوءِ
والدربِ السعيدِ إلى الخلاصِ
بلا دليل
أنا زهوةُ الوعدِ المبجّل
-يا وفيّةُ-
كي تعودَ ملامحُ الأفقِ المضرّجِ
كي تضوعَ الضحكةُ الغرّاءُ
في الوجهِ العليل
أنا وهجُ حبٍّ
فاضَ في بردَيكِ-
تأتلقُ الرؤى
ويعرّشُ الوردُ الزكيّ
وتستفيقُ الروحُ في توقٍ
إلى الحُضنِ النديّ
وضمّةٍ حرّى
ولمّةِ رِفقةٍ كانت
وكنّا
كاحتفاء ملامحٍ عطشى ونشوى
باحتمالاتِ الرحيق
*
أنا ما برحتُ الدارَ
كي أَنسى
ولا غادرتُ من سأمٍ
ولا نكرانَ-
ما زالت نُسوغُ الخصبِ
في عينيكِ
تمنحني مِدادَ العزمِ
ما فتئتْ أحاسيسي تجيش وتغتلي
من شِرعةِ الظُلَّامِ
من فتوى الضلالِ
بحقّ من يسمو
ومنْ عسفِ الدخيل
والقلبُ يُشفقُ
واليدانِ امتدّتا
والصدر يُطبقُ
ثم يلقيني شراعاً
في متونِ الريحِ
يرسلني شعاعاً
في اختلاجاتِ الظلام
أنا ما برحتُ الدارَ-
لي في كلّ ركنٍ صبوةٌ
أو غصّةٌ
أو رعشةٌ
أو في حنايا الضيعةِ
انتظرتْ إيابي
بالهزيج وبالصهيل
فغداً
-أيا أماه-
في فيضِ النهارِ
وألفةُ الحيّ استعادت دفئها
وتشرذمتْ نُذُرُ القتامِ
وطأطأتْ رسلُ الغزاةْ
قومي وقاماتِ الضياء
تكلّلي بالغار والأنداءِ
والصبرِ المجلّل بالنضارةِ
والمنى
فتماسكي
واصغي إلى بوحي
أنا الزغلولُ يُلقَم
أو يناغي
وأنا الشقيّ
أثوبُ؛ هل بتّ الرضيّ؟!
إنّي أطوفُ على الذرا
وأُقاسمُ النجماتِ بيدرَها السماويّ الأثيل
وترفّقي بالدمعِ
كيلا أخوتي
وحزينةٌ أخرى
وأطفالٌ
وباقي السِّفرِ
تشغلَهمْ تباريحُ القضيّةِ
عن جموحِ الركبِ
في طلبِ العلاءِ
وطيّري عطري
حكايةَ عزّةٍ تترى
وزفّيني عريساً للحياةْ!