ثقافة

“لعبة عادلة” هل يمكن للحروب أن تكون نزيهة؟!

في بغداد التقت زهراء الطبيبة العراقية المقيمة في أمريكا، بعائلتها أخيراً، وبالتالي، بأخيها “حمد” العالم النووي، اختلت به جانباً وقالت بخوف وحذر:
–  أعطوني أسئلة أطرحها عليك.
–  أية أسئلة؟
–  أسئلة عن مدى قرب برنامجكم في الاستخدام الحربي، أين ومتى سيكون أول اختبار مقرر، كم من الـ 235 درجة من اليورانيوم لديكم؟ عن أسماء خبراء آخرين في البرنامج، من في الجيش يتحكم في البرنامج؟
نظر حمد إليها باستخفاف وألم:
– لا يعلمون!! البرنامج تم تدميره في التسعينات، يتابع وهو يقول: الأمريكان دمروه وهم يعلمون هذا، ويستطرد: ماذا أيضاً؟
– كيف طورتم أداة الطرد المركزي؟ أية طريقة تستخدمون لفصل النظائر الانشطارية؟
– هذا جنون! ليس لدينا قطع غيار كي نبقي دبابة على الطريق، أنا كنت أعمل في معمل للأسمدة وهم يعلمون “المفتشين رايحين جايين، هم يعلمون، يجب أن يعلموا”.
صراع حقيقي
لم تكن الحرب قد بدأت فعلياً لكن طبولها التي كانت تقرع يومياً، وخيوطها كانت تحبك بعناية أحياناً وبغباء كبير أحياناً أخرى، و”لعبة عادلة”  فيلم يصور قصة صراع حقيقي نشب بين عميلة وكالة الاستخبارات الأمريكية فاليري بالم وزوجها السفير السابق والكاتب”جو ويلسون” من جهة وبين إدارة البيت الأبيض في عهد بوش الابن على خلفية القضية ذاتها.
“بينما الطائرات تقصف العاصمة وتمطر باقي المدن العراقية بالصواريخ، يصرخ حمد في وجه صديقيه وزميلي الدراسة:
– (ما الذي تفعلانه هنا، نحن مراقبون، عيونهم علينا؟!
– ماكو أحد بعد رح يراقبك؟ المخابرات ما عاد إلها وقت إلنا.
– أختي تقول الأمريكان يقدرون يطالعونا عالحدود.
– وأنت مصدقهم!! يا معوّد فتّح عيونك زين، وأذناتك كمان. يقول له زميله الأول بلهجة عراقية خالصة، بينما يكمل الثاني بسخرية ومرارة: جماعتك الأمريكان يصايحولك، روح ألحق.
– “هذا أملنا الوحيد.”)
في الخارج كانت الطائرات تلقي بمناشير تحريضية تحمل صور الرئيس العراقي “إنه يعيش في رخاء بينما عائلاتكم تكافح لأجل البقاء أحياء”.
سيلجأ حمد إلى القاعدة الأمريكية بحثاً عن تأكيد من قال:
– أريد أن أعرف بأن عائلتي ستكون بأمان، زوجتي وأولادي في خطر.
في الوكالة  يقول لها رئيسها المباشر:
–  كل الفرق تمشط الصحراء بحثاً عن أسلحة الدمار الشامل.
–   أريد وحدتين للمساعدة.
–   ليس لدينا موارد.
–   أريد إحضار هؤلاء الرجال وعائلاتهم.
يصرخ بها: هل تنصتين، هل تريديننا أن نخرجهم من هناك، كي يظهروا غداً في الـCNN، ماذا تظنين البيت الأبيض سيقول لنا: شكراً لكم، بالمناسبة ليس هناك برنامج نووي، ولا أسلحة دمار شامل، فكري بالأمر، هل تريدين أن أذهب إلى مدير الاستخبارات ليوقع على جنازته؟.
كعك أصفر
تبدأ أعداد الضحايا من الجنود الأمريكان بالتصاعد وتسبب الصدمة للمجتمع الأمريكي، بينما صدمة جو الأكبر هي”أن يكون الرئيس كاذباً كبيراً ينسب إلى تقريره الذي قدمه للبيت الأبيض بكل نزاهة بالمعلومات المغلوطة التي على أساسها قامت تلك الحرب”.
كان الزوج قد ذهب في مهمة إلى النيجر من قبل الوكالة؛ بناء على ترشيح من زوجته، للتحري عن عملية بين العراق والنيجر لشراء كمية من الكعك الأصفر وهو مركّب ومصنوع من اليورانيوم الخام الذي يستخدم في المواد الانشطارية في برامج التسلح النووي.
النيجر التي كانت تمتلك اثنين من مناجم اليورانيوم في الصحراء الكبرى، تم ردم واحد منها بينما يدار الآخر من قبل “كوجيما” الشركة الفرنسية التي يسيطر عليها اليابانيون والألمان، يقول جو في تقريره:
– 500 طن من الكعك الأصفر صفقة غير مسجلة في سجلات الشركة، ثم كيف يمكن أن تخفي عملية نقل لـ500 طن أي شيء ناهيك أن يكون من اليورانيوم, ويكمل نحن نتحدث عن 50 شاحنة على الأقل، تسير على طريق واحد في قرية لم يمر بها سوى سيارة أجرة تحتاج لمن يدفعها كي تسير، لن ينسى الناس هذا الحدث أبداً، والأمر من وجهة نظري لم يحدث أبداً.
ينصحه صديقه بالامتناع عن القيام بأي رد فعل:”لا تفعل شيئاً، لقد بدأنا ونحن نخوض حرباً كبيرة، وكصديق أقول لك: كن ذكياً وحسب، لديك زوجة وعائلة”.
يحتدم الصراع بين جو وزوجته ويفعل الخلاف فعله فيقترب الدمار من العائلة، إثر نشر جو مقاله الشهير “ما لم أجده في أفريقيا” يكشف فيه المغالطات والمعلومات الكاذبة متهماً الإدارة الأمريكية بالتلاعب حول برنامج الرئيس العراقي النووي، وكرد فعل انتقامي يقوم ريتشارد أرميتاج  كبير موظفي البيت الأبيض برفع السرية عن عميلة الـCIA  بلايم زوجة ويلسون؛ لتستيقظ ذاك الصباح وقد عرف العالم كله هويتها السرية، ويكشف بالتالي قائمة عملائها  في الخارج، بدءاً من مصر، الأردن، العراق حتى باكستان، ما يهدد حياتها وأفراد أسرتها بالإضافة إلى عملائها، ويضع مصداقية جو في مهب الريح، فترغم على الاستقالة من عملها، وتُسحب منها كل القضايا التي تتابعها، بينما يضع الجمهور مصداقية جو على المحك، لكنها تضع يدها بيد الزوج وتذهب حتى النهاية في مواجهة كبيرة شغلت الناس، ولم تمر بهدوء بل  شكلت فضيحة جديدة للإدارة الأمريكية عرفت بالبلايم جيت على غرار الفضيحة الشهيرة” ووتر غيت”.
أحداث الفيلم الحقيقية تعود إلى العام 2003 حين رفعت السرية وكشفت هوية العميلة بلايم، ما أدى إلى سجن الصحفية التي نشرت المعلومة، والتي لم تكشف مصدرها إلا بعد أن أذن لها بكشف اسمه، حيث تم التحقيق مع مسؤولين كبار من موظفي البيت الأبيض، في رهان خاسر على الزمن لنسيان قضية البرنامج النووي العراقي، اقتبست قصته عن مذكرات بلايم التي نشرتها تحت عنوان “حياتي كجاسوسة وخيانة البيت الأبيض لي” وتولى إخراجه دوغ ليمان في العام 2010.
تطبيع
أدى دور البطولة الممثل المعروف”شون بين” في دور” جو ويلسون” بينما قامت”ناوومي واتس” بتجسيد دور بلايم عميلة المخابرات وشارك في الأداء المصري”خالد النبوي” الذي أُخذت عليه مشاركته التمثيل إلى جانب ممثلة إسرائيلية أدت دور شقيقته في الفيلم الذي احتاج الكثير من المفاوضات كي يسمح بعرضه في القاهرة. ويحسب للممثل “شون بين” المناهض الدائم للصهيونية تجسيده دوراً يتطابق تماماً مع مواقفه الشخصية في معارضته الشديدة لغزو العراق اعتماداً على معلومات استخباراتية ملفقة، ويتعرض الفيلم أيضاً لدور الموساد الإسرائيلي في عمليات الاغتيال بحق علماء الذرة العرب الذين قامت ببلايم بالاتصال بالبعض منهم ومن بينهم “حمد” عالم الذرة العراقي.
بالرغم من أن لا عدالة ترجى من لعبة الحرب على الإطلاق، إلا أن “اللعبة العادلة” فيلم عادل إلى حد كبير، جريء، موضوعي وهام لتناوله قضية هامة وقائمة حتى الآن، فأتى حاملاً ولو بعضاً من الإجابات لأسئلة كبيرة شغلتنا جميعاً، هو فيلم روائي مشوق اعتمد العديد من المشاهد الأرشيفية الحقيقية، فاقترب كثيراً من الأفلام الوثائقية فاستحق المشاهدة بجدارة.
بشرى الحكيم