الأغنية الوطنية بين الحماسة واللحن العاطفي
ابتداءً من “ياناس غنوا ويانا” إلى “أنا سوري وأرضي عربية”إلى “سورية يا حبيبتي”إلى نعم”للجيش العربي السوري الذي يحمي سورية ويضحي بدمه كي تبقى منيعة على كل من يحاول الاعتداء عليها. عقود طويلة كانت الأغنية الوطنية تُقَبل البندقية بلهفة عاشق،كانت ملاذ القلوب الملتاعة والمدافعة عن كل شبر من أراضي الوطن لامتطاء خيول النصر.لكن كيف تطورت؟وما المراحل التي مرّت بها؟وما خصائصها الفنية؟ هذا ما تناولته المحاضرة الشهرية من سلسلة موسيقا الزمن الجميل للباحث الموسيقي وضاح رجب باشا في المركز الثقافي العربي –أبو رمانة- وقد طغى عليها الجانب المرئي بعرض مقتطفات غنائية،وخيمت أجواء حماسية إثر تفاعل الجمهور مع قرع الطبول وتأثير الكلمات والآلات النفخية النحاسية.
الأمر اللافت أن الباحث أشار إلى أهمية الأغنية الوطنية في هذه الأوقات لرفع الروح المعنوية للشعب العربي السوري وتعزيز الانتماء والتشبث بالأرض،وأكد على ضرورة بثها بالإذاعة بما يقارب ساعتين يومياً،وعرضها بالمحطات الفضائية،وأثنى على الفضائية السورية التي تفرد لها مساحة قبل نشرات الأخبار،وتابع حديثه عن ضرورة تشكيل لجنة لانتقاء أفضل الألحان والكلمات التي تمجد حبّ الوطن،لأن الأغنية الوطنية تحاكي شرائح الشعب وأطيافه،وهي جسر بين المغادرين الذين سيعودون إلى أرض الوطن مهما طال الزمن وبين الباقين تحت سمائه،لأن الوطن هو الحياة وهو الروح والسكن،وبناء الوطن ببناء الإنسان.
المارش المتقطع والسريع
مرّت الأغنية الوطنية بمراحل متعاقبة واتسمت بخصائص فنية موسيقية تتناغم مع بساطة الكلمة التي تدخل القلوب مباشرة ويفهمها الكبار والصغار،فكثير من الأطفال رددوا الأغنيات الوطنية وحفظوها لأنهم أحسّوا بتأثيرها القوي،ومن حيث الألحان فيجب أن تكون الجمل الموسيقية قصيرة لايوجد فيها مدود تأتي على شكل متقطع مثل أغنية غالب الصلاحي “راياتك بالعالي يا سورية” وهي الأغنية الوحيدة التي غناها،أو على شكل إيقاع المرش المتقطع أو السريع،لذلك تشترك الآلات الإيقاعية والنفخية النحاسية في عزف المقطوعات أكثر من الوتريات والعود،وفي هذه الحالة تكون من النوع الحماسي وهي الأكثر.
لحن عاطفي
أما النوع الثاني من الأغنية الوطنية فيأتي بلحن عاطفي رومانسي كما في أغنيات فيروز التي وصل عددها إلى الخمسين،أغلبها تتغنى بحبّ لبنان كما غنت لسورية والقدس،ركزت أغنياتها على فكرة الانتماء إلى الوطن،وفي هذه الحالة تتميز بروح طربية وامتدادات باستثناء أغنيتها “شام يا ذا السيف” التي غلب عليها الطابع الحماسي،وأرق أغنياتها الوطنية لسورية كانت “يا شام عاد الصيف” كما تحدث الباحث عن الفرق بين الأغنية والنشيد،فالأغنية تغنى بشكل فردي ومع مصاحبة الجماعة،بينما النشيد يغنى بشكل جماعي.
تاريخ الأغنية الوطنية
القسم الثاني من المحاضرة تناول تاريخ الأغنية الوطنية إذ بدأت من مرحلة ما قبل الاستقلال،وتميزت بالمنولوجست لسلامة الأغواني وعبد الغني السيد،ثم وضع الأخوان فليفل أسس الأغنية الوطنية وهما لبنانيان لكن آنذاك كانت سورية ولبنان بلداً واحدة فلحنا”حماة الديار” ثم بلاد العرب أوطاني كلمات فخري البارودي والتي اتصفت بحماسة منقطعة النظير إلى “نحن الشباب” كلمات الأخطل الصغير في سبيل المجد والأوطان كلمات عمر أبو ريشة.
توازت الأغنية الوطنية مع الحروب التي مرّت بها الأمة العربية وسورية في (48-67-73 ) وحرب الاستنزاف في 82.عمل أكثر من خمسين ملحناً ومؤدياً بالأغنية الوطنية إضافة إلى مشاركة عدد كبير من الكتّاب والشعراء.
ثم مضى مسار المحاضرة مع المتابعة السمعية والمرئية لأغنيات متعددة تفاعل معها الجمهور،منها أغنية “وطني”غناء صباح فخري وكلمات عدنان أبو الشامات جمعت بين الحماس واللغة الشاعرية،كما غنى أغنية حكاية شهيد كلمات الشاعر الفلسطيني عبد الرحيم محمود الذي استشهد بعد كتابتها بأسبوع،ألحان سهيل عرفة:
“سأحمل روحي على راحتي/إما ممات يكيد العدا/وإما حياة تسرّ الصديق”
كما غنى نجيب السراج ما يقارب خمسين أغنية وغنى معن دندش “وين بلاقي متل بلادي” والأجمل كانت أغنية “ياطير غني لسورية” التي ذكر فيها كل مناطق سورية على امتداد مساحتها،ثم غنى مصطفى نصري “هل هلاله” وأغنية سلوى مدحت “سورية المجد” كلمات عمر أبو ريشة،كما غنى فريد الأطرش نشيد الفدا
شعبنا يوم الفداء/فعله يسبق قوله/لاتقل ضاع الرجاء/إن للباطل جولة.
وفي هذه المرحلة اشتهرت أيضاً سميرة سعيد “نهر الشام” كلمات عيسى أيوب وألحان سهيل عرفة.وتابع الباحث استعراض الملفات الغنائية فكانت لكروان تجربة شمس الحرية.
مطربة الجيل
وكان الكم الأكبر من الأغنيات الوطنية لمطربة الجيل ميادة حناوي إذ غنت ثلاثين أغنية منها “بلدي الشام” مع وديع الصافي وألحان سهيل عرفة،كما غنى وديع الصافي “خضرا يا بلادي خضرة” وتتالى عرض الملفات لعدد من المطربين والمطربات السوريات مثل: “أنا سوري وأرضي عربية” للمطرب مروان حسام الدين
أول نوتة
وأنهى الباحث محاضرته بالحديث عن سورية التي لم تهزم الروح المعنوية لشعبها يوماً مما جعل أعداء الحياة يضربون حضارتها وآثارها،وهي مهد الحضارات المتعاقبة وصاحبة أول نوتة موسيقية،دوّنت تاريخها الأغنية الوطنية.
وعلى هامش المحاضرة انتقد الباحث الأغنيات الوطنية الهابطة التي تذاع ببعض المحطات العربية،وتسيء إلى الأغنية الوطنية مثل أغنية “عسكوري يا عسكوري”.
ملده شويكاني