في حوار حول تجربته الفنية .. “كناز سالم” لـ “البعث”: المؤسسات الحكومية للإنتاج الفني بأنواعه تقصي العديد من الفنانين الأكاديميين
عتب ولوم كبير يصل حد الغضب والإحساس العميق بالظلم يلقي بلائمته الفنان السوري “كناز سالم” خريج المعهد العالي للفنون المسرحية “2001”على كل من نقابة الفنانين، والمؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني ومؤسسة السينما كجهات إنتاج حكومية تجاهلته وغيره من الفنانين السوريين بطريقة غير مقبولة أبداً، معتبراً أنه من البديهي أن يكون توجه تلك الجهات ومن أول أولوياتها العناية بالفنانين السوريين الذين لم تتلون مواقفهم ولم يغادروا الوطن تحت أي مسمى، في حين تتعامل تلك الجهات مع العديد من الفنانين الذين ذهبوا مذهباً بعيداً في الكيل للوطن والأمر ليس خافياً على أحد.
البعث التقت الفنان “كناز سالم” وكان الحوار التالي:
< برأيك لماذا فنان وأكاديمي مثلك مقل في أعماله بينما غيره وبزمن أقل يصل للنجومية وهو من خارج الوسط الفني كما بتنا نرى ونشاهد؟.
<< غيابي وعدم تواجدي إلا نادراً على الساحة الدرامية إن كان في التلفزيون أو السينما لم يكن لعلة أو تقصير مني، بل هو عائد لسياسات صارت واضحة ومفهومة لدى الجميع تنتهجها شركات الإنتاج التي تعمل الآن إن كان في القطاع العام أو الخاص، هذه السياسات المحكومة بالعلاقات الشخصية والشللية بجانبها المرضي، ويكفي أن تقرأ شارات الأعمال التي تنتجها جهات الإنتاج الحكومية حتى يبدو الأمر جلياً، هذا مخرج هنا وكاتب هناك، وتلك ممثلة دور رئيسي هنا وممثلة دور رئيسي آخر في عمل ثان في الموسم الدرامي ذاته، وقس على هذا من الأمراض التي يعاني منها هذا الوسط ، للأسف المؤسسات الحكومية للإنتاج الفني بأنواعه”تلفزيون-سينما-مسرح” تقصي العديد من الممثلين الأكاديميين بمزاجية معيبة لا سابق لها. وبالعودة لعمل غير الأكاديميين في المهنة، التمثيل كفن هو موهبة بداية وهو مكان يتسع للجميع في حال اتسم هذا الوسط بالعدالة، لكن هناك أزمة فعلية وواقعة تعترض خريجي المعهد العالي، وهي قلة الفرص في ظل وجود ممثلين جدد غير أكاديميين، برأيي السبب الأول في هذه الظاهرة هو الأجر المادي القليل الذي يتقاضونه مقارنة بالخريج وهذه “الرسملة” كما نسميها بالعامية تعني شركات الإنتاج بالمقام الأول، كما أن المنتج أصبح يشارك في اختيار الممثلين في أغلب الأحيان لأسباب متعددة، إن من يتحكم بمزاج هذه المهنة هي عدة عوامل منها الأجور والعلاقات الشخصية والواسطة وغيرها من الأسباب التي أعتقد أنها لم تعد خفية على أحد.
مع الاحترام للمخرج الذي هو أساس العمل الفني ولكن البعض يرضخ أحياناً لمطالب المنتج – أكرر البعض- باختصار المنتج أصبح صانع النجوم ولا يعنيه لا المؤهلات الفنية ولاالعلمية التي يمتلكها الفنان، والحديث عن كون المخرج هو صاحب الكلمة الفصل في إنجاز العمل واختيار جميع عناصره هو كلام غير منطقي، على الأقل في الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد والتي ستجعل من أي مخرج يريد العمل، يقبل بما تطلبه شركة الإنتاج طبعاً ضمن حدود الممكن.
لم تنصفنا النقابة
< كيف تتعامل شركات الإنتاج معك كفنان، ولماذا لم نرك في أعمال من إنتاج المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني، وأيضاً في أفلام المؤسسة العامة للسينما؟
< أنا كفنان ممثل أعتبر كل من نقابة الفنانين والمؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني والمؤسسة العامة للسينما، هي الجهات التي من الطبيعي أن أنتمي إليها، خصوصاً في الظروف الصعبة التي يمر فيها الوطن، كما أنني وغيري من الفنانين السوريين الآخرين كان لنا موقفنا الواضح مما يجري في وطننا، فلم نختبئ خلف إصبعنا، ولم نتلون حسب الموقف ونترك البلد لنرتمي في أحضان دول أخرى تحولت شركاتها الإنتاجية التي ضمتهم في أعمالها، إلى منصات عدائية أطلقت بشكل أو بآخر الصواريخ”مجازياً”على سورية ودعمت حكوماتها الإرهاب الذي يضربنا بلا رحمة منذ خمس سنوات.
للأسف هذه الجهات وعلى رأسها نقابة الفنانين التي نعتبرها نحن الفنانين السوريين بيتنا، لم تنصف ولو من باب الحياء أبناءها! هذه المؤسسات يجب أن تكون بيتاً لكل فنان سوري شريف، لم يرض الارتهان لرأس المال الخليجي، الذي أعود وأذكر بأنه هو ذات المال الذي مول الإرهاب والقتل في وطننا، وعلى العكس من ذلك تماماً فهذه المؤسسات الحكومية كانت وما زالت ضدنا، لماذا لا أعلم؟.
< هلا وضحت الأمر بشكل أدق؟
<< الغريب أنه في الوقت الذي تدعي فيه هذه الجهات أن أولوياتها هي تشغيل الفنان السوري الموجود في بلده، وضمان عمل يتيح له أن يربي أولاده دون حاجة فلان أو التزلف لفلانة، فإنها تفعل عكس ذلك تماماً، إن المتابع لأعمالها سيجد وبكل بساطة أن العديد من الفنانين الذين أصبحوا من رعاياها، يحاولون بجهد جهيد التنسيق بين الأعمال التي ينجزونها في موسم واحد ما بين القطاع العام والقطاع الخاص، بالمقابل ستجد فنانين لا يجدون حتى قوت عيالهم، وكأننا ندفع ضريبة باهظة لمواقفنا الوطنية وهذا ما لا يحتمله عقل، ومن أين؟ من مؤسسات المفروض أنها تسير في الركب الذي يسير فيه الشعب السوري والجيش الذي يحميه.
وعلى الضفة الأخرى ستجد الكثير من الفنانين الذي يتشكون من الظلم الواقع عليهم، والمتمثّل بالتجاهل الكامل لموهبتهم وتاريخهم، ولأجل الصدفة ستجد أن أغلب هؤلاء الفنانين هم أصحاب مواقف وطنية لا تشوبها شائبة.
كنت قد قرأت الحوار الذي أجريته مع السيدة “ديانا جبور”، والتي اعتبرت فيه أنها لا تستطيع كجهة حكومية أن تفرض ممثلاً على المخرج، وهذا كلام مردود حقيقة، فإذا لم تستطع المؤسسة أن تفرض ممثلاً ما على المخرج، ألا يحق لها، وهي الجهة المنتجة، أن تحتفظ ولو بنسبة من الأدوار الثانوية لها؟.. ثم إن أي مخرج سيكون ممتناً أن يعمل معها، إلا إذا كان المخرج الذي تتعامل معه المؤسسة تتهافت عليه شركات الإنتاج الأخرى، وهذا ليس صحيحاً، الغريب أيضاً أنك ستجد أن المخرجين الذين يعملون في الدراما التلفزيونية هم ذاتهم من يعملون مع المؤسسة العامة للسينما، التي آخر ما يعنيها، على ما يبدو، هو التعامل مع الممثلين السوريين الذين أيضاً لم يبرحوا الوطن في محنته، وكأنه اتفاق ضمني على إقصاء هذا الفنان أو ذاك، هذا عيب ولا يجوز في بلد يدفع فيه أبناؤه دماءهم لأجل كرامتهم وكرامة إخوتهم من السوريين، فيأتي من أبناء بلدك من يذلك في لقمة عيشك وأبنائك!.
مسؤولية المؤسسات
< ألم يكن هناك تعامل مع شركات إنتاجية خاصة أخرى محلية وعربية؟.
<< أعتقد أنك تتابع الأعمال التي تنتجها الجهات التي ذكرت، بعضها من المخجل والمعيب العمل فيها، كتلك التي صارت الإباحية المخزية واحدة من أشهر نتاجاتها، والبعض الآخر لا هم له، كونه يتبع مال المنتج، إلا أن يقدم صورة مخزية عن السوريين، حسب التوجه السياسي للقناة العارضة، حيث صار من الصعب بمكان اليوم فصل السياسة عن الدراما، هذه الخيارات مثلاً طرحت في مرحلة ما، إلا أننا قبل أن نكون فنانين نحن بشر، لنا موقفنا الرافض للقبح، والرافض لأي تخريب بالذائقة العامة، أو المساس بهيبة سورية، ما أريد قوله: واجب هذه المؤسسات الحكومية التي تمولها الدولة أن تعتني بالجميع على حد سواء، وألا تدع لأية شركات “خليجية” أن تعمل على شراء هذا الفنان أو ذاك، وواجب نقابة الفنانين أن تنظم هذا العمل بشكل ديمقراطي، وإلا فلماذا إذاً ندفع اشتراكات لنقابة الفنانين، ودعني من خلال “البعث” أطالب المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني، على اعتبارها الجهة الحكومية الوحيدة المنتجة للدراما التلفزيونية، أن تجد عملاً لكل الفنانين الأكاديميين، فهؤلاء درسوا وتعبوا وقدموا الكثير في سبيل مهنتهم، وما نراه أن من لم يدرس، ومن لا يمتلك الموهبة، ومن ومن.. هو الموجود، وهو الذي يأخذ فرصاً تلو الأخرى دون تحقيق أي نجاح يذكر، أعود أيضاً لحوارك مع السيدة “ديانا جبور” وجوابها عن عدم وجود أي تغير في مزاج القنوات التي قررت مقاطعتها لإنتاجها الدرامي، هذا إن دل على شيء، فإنه يدل على أن ثمة احتمالين لهذه المقاطعة، فإما أن الأعمال التي تنتجها بما فيها من أسماء مخرجين وممثلين لم تلق أي رواج يذكر عندهم، وبالتالي يجب على المؤسسة كجهة إنتاجية أن تفكر بطريقة احترافية بالقول إن نتاجها هو الذي لم يرق لتغيير هذا المزاج، وبالتالي عليها إعادة التفكير بسياساتها التي جعلت أعمالها لا تعرض إلا على القنوات المحلية، وهناك عدد محدود جداً من القنوات التي هي بدورها أيضاً تحاول تقديم الدعم للدراما السورية بعرض بعض أعمالها، والاحتمال الثاني أن المؤسسة تضرب عرض الحائط أسباب هذا التجاهل لها من قنوات العرض، ويبقى الوضع على ما هو عليه من كساد مقنع للأعمال، والذي قد يكون أحد أسبابه من تتعامل معهم المؤسسة من فنانين ومخرجين؟!.
الشللية في العمل
< ماذا عن العمل في السينما السورية؟.
<< بالنسبة للعمل مع المؤسسة العامة للسينما، الوضع ليس أفضل، ليس فقط بالنسبة لي، بل إن تجاهلهم للفنانين الوطنيين والكبار وصل حد أن يخرج الفنان الكبير “دريد لحام” ليقول بأن المؤسسة ربما لا تراه ممثلاً مناسباً للعمل في أفلامها.
في الواقع جرى حديث بشأن المشاركة في بعض الأفلام التي تنتجها هذه الجهة الحكومية أيضاً، لأفاجأ فيما بعد بأن هذه الأعمال إما أنها أنجزت وتنتظر في أدراج المؤسسة دون فهم السبب، أو أنها قيد التصوير ودون حتى تقديم الإعتذار عنها.
في الحقيقة يبدو أن العلاقات الشخصية والشللية التي تحولت إلى وسط موبوء، هي من تتحكم في مزاج الفن السوري، إن كان في الدراما التلفزيونية، أو السينمائية، وحتى المسرحية.
< هناك من يجد أن ثمة فارقاً كبيراً بين جيلكم الذي تخرج على يد خبيرة مثل “نائلة الأطرش” مثلاً، وعمادة الراحل “صلحي الوادي”، وبين أجيال تتخرج الآن يصفها النقاد بأنها متراجعة جداً بالنسبة إلى الأجيال السابقة، كخريج أين برأيك تكمن المشكلة، في الطلاب، أم في سياسات الأكاديمية التدريسية، أم في شأن آخر تخبرنا به؟.
<< الناحية التي تفضلت بها مهمة، ففي الوقت الذي نتكلم بأن أزمة حقيقة تصيب الدراما السورية لابد أن يكون للمكان الذي يرفد الوسط التمثيلي بالممثلين الجدد دوره أيضاً فيها، برأيي أن سبب تراجع المعهد العالي للفنون المسرحية هو عدم استقدام خبرات لها باع وتاريخ في تدريس التمثيل، فليس كل ممثل أو مخرج بقادر على تدريس التمثيل، التمثيل دراسة شاقة تحتاج لأخصائيين خلاقين، كلاً في مجاله، كالسيدة نائلة الأطرش التي خرجت العديد من الممثلين السوريين المؤثرين في الوسط المحلي والعربي أيضاً.
والسبب الأصيل كما أعتقد أيضاً في هذا الشأن هو في ماهية ما يفكر به الطالب الراغب بالانتساب إلى المعهد في قسم التمثيل، فهناك فرق كبير بين من جاء وهاجسه المسرح ودراسته، وبين من وجد المعهد بوابة للنجومية التلفزيونية التي صارت مرتبطة أيضاً بأسباب وأعباء إضافية لم تكن موجودة قبلاً، منها الشللية بمنافعها ومضارها.
< ما هو برأيك سبب تراجع الأكاديمية السورية للفنون، وهل تعوّل في نهضة الدراما على ما شاهدت من أعمال الممثلين الجدد؟.
<< لست على تواصل مع الأكاديمية بشكل مباشر، وبالتالي لا فكرة لدي كيف أصبحت آليات التدريس من الناحية الفنية والتقنية، لكن أؤكد لك أنني ومن تخرج قبلي، كنا محظوظين فعلاً من جهة المدرسين والخبراء الذين تتلمذنا على أيديهم في الفن، فمن يدرسهم على سبيل المثال “نائلة الأطرش- غسان مسعود- فايز قزق- حاتم علي وغيرهم”، مع حفظ الألقاب، هؤلاء حقاً نستطيع وصفهم بالمحظوظين، الأسماء الكبيرة التي ذكرت هي من خرجت معظم النجوم الذين نراهم الآن في المسرح والسينما والتلفزيون، وبعد غياب هذه الأسماء عن التدريس، لم يكن البديل أفضل.
بالنسبة للخريجين الجدد، قد يكون بعضهم يشبه الآخر كما قلت، وهذا متعلق بمجموعة من الأسباب الإنتاجية والحالية أيضاً، ولكن لا أنكر أن البعض منهم استطاع بزمن قياسي أن يثبت وجوده بالموهبة والاجتهاد، باختصار مشكلة المعهد الآن هي في ضعف الكوادر التدريسية، وعدم استقدام الخبرات الحقيقية المحلية والعالمية التي تعاونت في الماضي مع المعهد، وكانت نتيجة تبادل تلك الخبرات والمقترحات التدريسية هي الأفضل بشكل مطلق.
< الحديث عن الدراما المدبلجة حديث يطول، ما هو رأيك بهذه الظاهرة التي اجتاحت الشاشات العربية، وكيف استطاعت أن تحول الكثير من الممثلين السوريين إلى أصوات فقط؟.
<< الدوبلاج أو وضع الصوت على عمل من بيئة وقيم اجتماعية وفكرية وفنية مختلفة، أعتقد أن سيئاته أكثر من حسناته، فأنت لا ترى إحساساً منسجماً بين الصورة والصوت، والمشاهد يدرك هذا جيداً، ومهما كان الفنان الذي يؤدي بصوته في الدبلجة عبقرياً، فإنه لن يستطيع تجسيد إحساس الشخصية التي قدمها عن شخصية أخرى، الدوبلاج تأجير صوت فقط، لكنه يخدم الذين لا يستطيعون القراءة.
لن نكون دمى
< هل تود أن تضيف ما يعتمل في نفسك، خصوصاً أنني لمست هذا الألم العميق الذي بداخلك؟.
<< ما أريد قوله: نحن أبناء هذا الوطن درسنا في مدارسه ومعاهده وجامعاته، تربينا في ربوعه، ولن نكون يوماً إلا كما ربانا وعلمنا، لا نريد من يذلنا في لقمة عيشنا وأولادنا، سنبقى هنا ولن نهاجر ولن نكون دمى تحت رحمة شركات إنتاج لها أجندات باتت معروفة للجميع، نحن أبناء هذا الوطن، ونحن من بقينا فيه وصمدنا في زمن جراحه، ومن حقنا أن نعمل في مؤسساته لا أن نكون فريسة التجاهل المقصود والمحسوبيات التي جعلت من الوسط الفني السوري مهترئاً، ومكشوفة بطانته للداني والقاصي، ربما من أخاطبهم هنا يقرؤون الأقلام التي تتناولهم، ويعرفون تمام المعرفة أنهم لم يقدموا الجهد المطلوب والكافي للحفاظ على هوية الدراما السورية التي كنا نتغنى بها، لا أتكلم هنا عن صحافيي “التنفيعة” ولا عن الأقلام المأجورة التي تدعى إلى عشاء هنا، وسهرة هناك، وتعطى فرص عمل ليست حتى بالكفؤ لها مع تلك الجهة وغيرها، بل عن النقاد الذين وصفوا وبمطلق الدقة ما مفاده أن الدراما السورية في أزمة هوية ووجود، ومن لم يصله هذا فلابد أنه يحيا على كوكب آخر.
حوار: تمام علي بركات