أيام وأكثر..
“لا تعاد الأيام فتعاديك”، سمعناها مراراً وتكراراً، لذا “مشينا الحيط الحيط وقلنا يا رب السترة”، وملأنا قلوبنا مشاعر طيبة لأوقاتنا، وأعلنا الحب لأيامنا، فعشقنا السبت، همنا غراماً بالأحد، غازلنا الاثنين، بادلنا الثلاثاء الهدايا، جننا بالأربعاء، واحترمنا الخميس، و يا كثر ما أحببنا الجمعة، فنحن ما اعتدنا يوماً أن نعادي من لم يعادنا، لاسيما أننا شعب مسالم يميل في باطنه إلى الحب- أو هذا على الأقل ما اعتقدناه- لذا لم يكن لدينا مبرر لنكره الأيام التي نسرقها من العمر، أو ربما تسرقنا، بل رحنا نعيش أيامنا بحب، وذهب أغلبنا إلى أبعد من ذلك، فاتخذ معظمنا يوماً مفضلاً له من الأيام السبعة، وربط حظه السعيد به، واقترن التوفيق فيه دون سواه لصدفة ما، أو ربما بشكل تلقائي وعفوي، واعتبر البعض أن بداية كل أسبوع هي بداية لحياة، وفرص جديدة تحمل من الخفايا الكثير.
وللأيام كما الأشخاص صفاتها التي تميز أحدها عن الآخر، فمثلاً يوم الاثنين هو يوم لا يحبذ أن تقص النسوة شعرهن فيه، حتى إن من تقص شعرها في يوم اثنين تصبح معرضة لأن يتوقف شعرها عن “الطول”، وقد شاعت هذه الفكرة بقوة، حتى إن مصففي الشعر اتخذوا من يوم الاثنين عطلة رسمية لهم!.. كذلك اتصف يوم الأربعاء بأنه “حمصي بامتياز”، فإياك أن تقرب حمصياً في يوم أربعاء فهو يوم “الحماصنة”، حيث يحتفلون به، حتى إن “الحماصنة” أنفسهم يتندرون بمقولة : “دير بالك اليوم أربعا”، بالإضافة إلى ربط بعض الأيام كالجمعة والسبت والأحد بالأديان.
ولم يتوقف الأمر على الأيام، فحتى الشهور لم تسلم من الأقاويل التي تناولتها أيضاً، والتي لم تخل من طابع الفكاهة، فمثلاً يتهم الجميع شهر شباط بأنه زارع الرعب في قلوب العجزة وكبار السن، فهو يحصد أرواحهم في كل عام، وكل من يمر اليوم الأخير من شباط وهو على قيد الحياة يبارك له الناس بعام آخر أضيف إلى سنوات حياته، فلا ينجو من شباط إلا كل عجوز محظوظ!!.
قد يتبادر إلى الذهن أنه رغم أننا كسوريين سلكنا الطريق الودود، ولم نعاد أيامنا، فما بالها تعادينا، وتظهر لسورية التي كانت على الدوام ملجأ للنجوم، وحاملاً للفرح، وجهها المظلم، ربما علينا أن نكف عن لوم أيامنا، وشتم ساعاتنا، فالأيام بمضمونها لا تحمل إلا الخير مهما اختلفت أسماؤها، والمتغير الوحيد فيها هو الإنسان، وما يتركه فيها من بصمات إيجابية أو سلبية تسبغ لحظاتها.
لوردا فوزي