مصطلحات على حدود الأزمنة
منال محمد يوسف
إن لكل زمان مصطلحات لغوية ومفردات أدبية الكتاب، لكن بلغة الترميز الواقعي, ذلك الترميز الذي أن يُكتب بروح واقعية الإبداع الأدبي ومن هنا نسألُ أتوجد مصطلحات خاصة بالحروب, وبأزمات الدول والشعوب؟! أتوجد مصطلحات نواجه بها ثقافة الموت، فكم من المفردات أفرزتها لنا الأزمة وأصبحت مضافة إلى قاموسنا الثقافي، أصبحت من المفردات اليومية التي تلتصق بنا.
لقد أفرزت لنا الأزمة عناوين مختلفة, عناوين تستنتج من مدرات الاحتراق التي فُرض علينا الدخول إليها، من قواميس الزمن الجنائزي، كل شيء يبدو متورماً بخبث الوجع الأزموي,كل شيء يبدو مستغرقاً في عنف ما يحدث, في دموية ما جرى حتى الألفاظ باتت نائمة على قممٍ بركانية اللهجة، تبدو وكأنّها في أتون الوجع الذي استفاض عنا, وأصبح يملأ كل شيء في يومياتنا, وحتى استطال به الأمر ليشغل الوقت الإبداعي لدى العديد من الأدباء، الوقت الواقف على أطلال ما حصل، كأنه الذاكرة الوصفية لأدب الأزمة, أدب الزمن المتأزم بمعناه الحياتي واللغوي وبمعنى التصاق الشيء بمنطق الأشياء المحيطة به، وهذا يعني وضع لغات الإبداع والتميز في أولوية كل شيء نبتغي الكتابة عنه, وبالتالي تسمية الأمور وفق مسميات المنطق الوارف الإبداع، الوارف التجذر الأدبي والإبداعي أولاً وأخيراً، فكم من المصطلحات باتت اليوم دخيلة على منهج الحياة لدينا وعلى قاموسنا اللغوي بشكل خاص. وكم منها بات متعجرف اللفظ الذي يأخذ على محمل الزمن الذي لا نريده محملاً بالآهات اللحظية أو الاستعارات الجنائزية، ربما هذه الاستعارات التي تحمل ثقل الأزمة ونواتج فوضى الأوجاع المترامية هنا وهناك، المترامية على عتبات حالمة الارتجاء المتزاحمة على ضفاف المصطلحات المبتكرة حقاً، والمصاغة حسب الزمن وأحقية وجود هذه المصطلحات كناتج سببي منطقي لا يمكن تجاهل ترميزها الواقعي، والذي تم الاتفاق عليه أصلاً من تزاحم المرادفات الكلامية وبنيتها اللغوية, ومن إيجاد وقت على هذا النحو يزدهي الزمن وتزدهي به المصطلحات المستجدة.
على هذا النحو الذي لا يقبل أن تقترب منه ضمائر منفصلة عن روح التميز, نريدُ أن نوثق صلة الاتصال مع مستحقات الزمن الإبداعي، ومع روائع الأدب وكيفية كتابته وصياغة مصطلحات تلازم الفكر الإبداعي في زمن الأزمات، وتجوهر فحواه المرتجى أدبياً, فكم من المصطلحات أصبحت تتماهى مع الحدث الواقعي, مع ضرورة السرد الواعي الذي نبتغيه أن يأتي مبدعاً رغم تزاحم الأضداد، نريدُ من كل الأزمنة أن تحمل لنا ثراءً أدبياً وثراءً لغوياً، وكذلك تحمل لنا غنى بمصطلحات لا تفرضها الأزمات فقط، وإنما يفرضها الوقت الإبداعي المسترسل بحاجيات التميز المستحق فعلاً، يفرضها الفعل الأدبي المتميز حسب استحقاقات التميز الإبداعي أولاً ومكونات وجوده بطريقة التمايز المختلف, بطريقة إيجاد المصطلحات التي يتفق عليها وليس فقط حسب موازين الوجع اليومي، إنما حسب معايير جمالية نابضة بعشق الواقع وتجسيد صوره الأدبية بأبهى أشكالها وبأرقى مسمياتها.
قد تتأتى علينا أزمنة لها لغات دالة على تركيبة وجودها الترميزي، وجودها الذي يتوهج استعارات أدبية وذهنية رشيدة المنطق حكيمة الألفاظ، هذه الأزمنة ربما قد يكون لها مصطلحات خاصة بها، تدل على جملة اعتبارات مسببة لها لا يمكن تجاهلها، أو الوقوف على مساحات غير مرئية منها, مساحات لا نريدها مشتعلة بنيران وأوجاع ما يحصل، نريدها البُشرى المثلى والحقيقة من النبض الأدبي
ومن علائمه الزاهرة في أفق الإبداع الحقيقي، علائمه ومصطلحات تركيبه القويم, ذلك التركيب الذي لا يتجاهل ضرورة إيجاد مساحات يظللها الاصطلاح اللغوي القوي المعنى والتراكيب الجميلة التي تؤكد أن لكل زمان مصطلحات خاصة به.