فيلم “المجهول”.. صورة مشرقة ونادرة للعربي.. لكن!

لم تكن سوى لحظات قليلة تلك التي فصلت بين نظرته إلى الساعة بقلق، وبين رؤيته للسيارة تتهاوى نحو المياه، بعدها غاب عن الوعي، بينما جاهدت المرأة التي تقودها لإنقاذ نفسها، ومارتن أيضاً، وما إن اطمأنت إلى أنه بات بين أيدي رجال الإسعاف حتى انسلت تختفي عن الأنظار قبل أن يلحظها رجال الشرطة.
الحدث الكبير
تدور أحداث الفيلم في برلين، المدينة الألمانية الكبيرة التي تتحضّر للحدث الكبير المنتظر، حيث قدم د. مارتن هاريس، وزوجته ليز للمشاركة في مؤتمر علمي كبير يتعلق بكشف هام في عالم تكنولوجيا الأحياء، وحين يصل الاثنان إلى المدينة يكتشف مارتن أنه نسي حقيبته في المطار بما تحويه من أوراق هامة، بالإضافة إلى جواز سفره، فيسارع بالعودة لاستعادتها، حيث يتعرض للحادث المفاجئ.
وبينما عمل الفريق الطبي على إفاقته جاهداً، كانت الصور والذكريات تتداعى في خيال الرجل الذي ما إن استعاد وعيه في المشفى حتى غادر سريعاً لملاقاة زوجته الوحيدة في الفندق، “هذا ما كان يشغل باله، ومتيقناً منه”.
في الفندق الفخم تبدأ فصول محنة مارتن الذي لا تتعرف عليه زوجته “ليز”، قائلة: “يبدو أنك تخلط بيني وبين شخص آخر”، وتعتذر منه باسمة، بينما تتجه إلى رجل آخر في البهو الكبير منادية إياه باسمه “مارتن”، يحاول جاهداً أن يصدق أن ما يجري مجرد مزحة ثقيلة، لكن”الآخر” يثبت هويته بإبراز جواز سفره الخاص الذي يحمل صورته، وعلى موقع “لانغور”، الجامعة التي يعمل لحسابها، والتي كان يأمل أن تنقذه، كل المعلومات تثبت أنه “غير موجود”، وأن ذاك الآخر هو د. مارتن.
في طريقه إلى اللامكان، حيث لا يدري إلى أين سيذهب، يلاحق من قبل شخص يحاول اغتياله، وهو شخص تكون قد أرسلته وكالته التي يعمل لحسابها لتصفيته، سيكرر القاتل محاولته فيما بعد مرات عديدة، وبهدوء يستعيد د. هاريس الأحداث قليلاً، ليتأكد أن الحادث الأول لم يكن عابراً، وأن السيارة التي حاولت صدمه لم تكن عابرة أيضاً.
يحاول بمفرده التقاط الخيوط المعقدة، يبحث عن “جينا” التي كانت تقود السيارة، ثم أنقذته، لكن الفتاة تتهرب منه مذعورة، يتمسك بأمل آخر هو الدكتور بريسلر، فيلتقي عنده بغريمه وجهاً لوجه، وفي سبيل إثبات كل منهما هويته، يكرر الاثنان أمام العالِم المندهش المعلومات ذاتها بالسرعة نفسها، وكأنهما شخص واحد، فيعود مشوشاً إلى المصح، حيث تحاول الممرضة مساعدته عبر صديقها المحقق، تقول له: “صديقي يساعدك، هو يعمل في البحث عن الأشخاص”، لاحقاً وفي المشفى سينجو بأعجوبة من محاولة تصفيته مجدداً، بينما تذهب الممرضة المسكينة ضحية بلا سبب.
طرف الخيط
سيمسك المحقق بطرف الخيط الأول “جينا”، وهو يعلم أن تهربها لن يكون إلا بسبب هام، والفتاة في الفيلم هي صورة أولئك البوسنيين الذين يقيمون في البلد بشكل غير قانوني، فيبقى همهم الأول الابتعاد عن رجال الأمن خشية ترحيلهم.
– أنا لا أتكلم إلى الشرطة، تقول لمارتن خائفة، وسيذهب صديقها “بيكو” ضحية جديدة، بينما تتعرض هي لمحاولة القتل أيضاً.
في صالة المعرض الضخم تجد ليز نفسها وجهاً لوجه معه، وقد تذكر أنهما اتفقا لسبب ما قبل الحادثة على اللقاء في الصالة ذاتها، لن تستطيع المرأة التهرّب منه، فتنصحه: “ارحل، سيقتلوننا نحن الاثنين”.
ستتعقد الخيوط، وتتداخل التفاصيل، وسيفضل المحقق الانتحار قبل أن يفصح عما لديه من معلومات، ومن خلاله يتطرق الفيلم إلى الحرب التي دارت طويلاً بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، حيث ينعته غريمه كول قائلاً: “أنت واحد من بقايا الحرب الباردة”.
تقول له جينا، وهي تنظر برعب إلى أوراق وجوازات السفر العديدة، وقد وصل أخيراً إلى حقيبته: “من هؤلاء الأشخاص؟!.. إنّ بوسعهم قتل أي أحد”، يجيبها بيأس: “نعم نحن قتلة، الأمير شادا سيقتل اليوم، هناك قنبلة في جناحه”، متابعاً: “أنا من وضعها هناك”.
في بهو الفندق الفخم يستقبل”شادا” الأمير العربي كشخصية هامة، بينما يقوم بتقديم “ليز” إلى الصغيرتين ووالدهما صديقه د. بريسلر، الهدف الأول من التفجير الذي تم الإعداد له في حبكة سينمائية معقدة ومثيرة تخطف أنفاس المشاهد، وهو يتساءل عن الخطوة تلو الخطوة، مؤامرة حيكت ببراعة بهدف اغتيال عالم التكنولوجيا الحيوية بريسلر مع مجموعة أخرى من العلماء، بواجهة عربية هو الأمير ممول البحث الذي يؤمل منه إيجاد حلول تقضي على المجاعات التي تجتاح البلدان الفقيرة، وذلك يجري بشكل طبيعي لصالح شركات احتكارية عالمية، لا توفر جهدها، وتقاتل بشراسة في سبيل الحفاظ على سبل مستمرة لملء خزائنها بالأرباح والأموال!.
براعة وحرفية
لا يمكن لمتابع الفيلم إلا أن يعترف ببراعة نيسون وحرفيته، والذي يضاهي في هذا الدور كبار الممثلين، وفي لحظة ما سيضعه المشاهد في مقارنة عادلة ومنطقية مع هاريسون فورد في الفيلم الشهير “الهارب”، حين اتهم ظلماً بجريمة قتل زوجته الجميلة، وكانت خلف قصة الاغتيال أيضاً مؤامرة محاكة بشكل رائع، تعيدنا إليه عينا نيسون، وتقاسيم وجهه التائهة، الباحثة عن الحقيقة، بينما وفي ظاهرة الاقتباس الحالية، اقتبست الدراما المصرية في رمضان الفائت قصة الفيلم، وبنت عليه مسلسل: “اسم مؤقت”.
فيلم “المجهول” الذي يؤدي الدور الرئيسي فيه وليام نيسون الرائع، والذي لن يدع للمشاهد الفرصة أن يتوه بعيداً عن الشاشة، لروعة أدائه، هو واحد من الأفلام القليلة جداً التي قدمت العربي بصورة مشرقة نوعاً ما، خلافاً لما درجت عليه السينما الغربية من إظهاره على هيئة المتخلف، ميزته الوحيدة أمواله التي ينفقها يمنة ويسرة، بينما تشكّل النساء اهتمامه الرئيسي، لكنه للأسف، بالرغم من ذلك، لن يكون في حبكة الحكاية سوى غطاء لعملية أكبر بكثير من اغتياله المزعوم!.
أخرج الفيلم جاوومي سارا، بينما تقمّص دور المحقق الآتي من مدرسة الستازي الألمانية الممثل “برونو جانز، وأدت “ديانا كروجر” دور سائقة التاكسي “جينا” بأسلوبها الخاص.
بشرى الحكيم