ثقافة

للأفلام التسجيلية وقع كبير في مهرجان سينما الشباب

بدا التطور واضح في مهرجان سينما الشباب من حيث السوية الفنية المتعددة،ومن حيث الأفكار المطروحة وطريقة تناولها بأسلوبية فنية تتبع رؤية المخرج،فمن الإغراق بالرمزية والدلالية والمباشرة والواقعية إلى الرومانسية والمثالية مروراً بالفصل بين الحلم والواقع،وصولاً إلى الاعتماد على مايشبه الصدمة للمتلقي أسوة بالدهشة التي تتركها سطور القصة القصيرة على وجه القارئ،إلى الأفلام التسجيلية التي كان لها وقع خاص وحضور كبير لأنها عبّرت عن واقعية بحتة بعيدة عن أية إضافات وأية مؤثرات،لتؤكد أيضاً قرب الناس من السينما وإيمانهم بدورها الإيجابي والفاعل بالتغيير،من هنا أفردت البعث مساحة لبعض هذه الأفلام التي حاكت الأزمة وقضايا إنسانية.
آلام الفقد
كان فيلم “سالي” مدته (8) دقائق إنتاج المؤسسة العامة للسينما من أفلام المسابقة الرسمية لأفلام دعم الشباب،أحد الأفلام التسجيلية المرتبط ببعض المشاهد الوثائقية التي تناولت الأزمة وانعكاساتها على حياة الأسرة،وإقحامها الأطفال الذين لاذنب لهم في طغيان الإرهاب على أرض سورية،توقفت كاميرا المخرجة وكاتبة السيناريو زهرة البودي مع الطفلة سالي ابنة العشر سنوات لتتحدث بعفوية عن حزنها على استشهاد أخيها الذي كان صديقها أيضاً،فسردت بواقعية تهجير العائلة من مدينة الطبقة إلى اللاذقية،وفي الطريق أصيب أخ سالي الأكبر واستشهد جراء الرصاصة الغادرة،لتبدأ معاناة سالي التي أصبحت خائفة من الذهاب إلى المدرسة لأن شقيقها كان يمسك يدها ويذهب معها كل صباح،كما أفردت المخرجة مشاهد من أماكن مختلفة في اللاذقية لتتحدث سالي من خلالها عن ذكرياتها في الطبقة،ثم انتقلت إلى المسار التربوي الهادف الذي اتخذه الأهل بانضمام سالي إلى فرقة مسرحية لتتدرب مع الطلاب وتخرج من بوتقة الحزن المسيطر عليها،ليتدخل المدرب أيضاً ويتحدث عن تفاعل سالي البطيء جراء انعكاسات الأزمة عليها.في نهاية الفيلم ألحقت المخرجة مشهداً مؤلماً لمقطع فيديو قديم يجمع بين سالي وأخيها وهما يرقصان على أنغام الموسيقا،وهو لايدري أن رصاصة الغدر والإرهاب ستطاله.وتبدو جمالية الفيلم في موقف سالي وقدرتها على مواجهة الكاميرا ومواجهة الحياة والتكيف معها بعدما فقدت شقيقها وصديقها أمام أعينها.وتبقى حالة سالي ترمز لأطفال كثيرين استشهدوا وآخرين فقدوا أحبة لكن يبقى الأمل.
المرض والحرب
وفي “فيلم حكاية يوم واحد” للمخرجة وكاتبة السيناريو ديما القائد مدته (11)دقيقة وهو من أفلام المسابقة الرسمية لأفلام دعم الشباب.ويحكي عن الأطفال المصابين بمرض السرطان الذين يقاومون المرض والحرب في ظل أصوات القذائف وصعوبة الوصول إلى المشفى لاسيما للأطفال الذين يقطنون في محافظات بعيدة،والأصعب عدم توافر الأدوية والجرعات الكيميائية لتعبّر الكاميرا بواقعية بحتة عن إقحام الأطفال المرضى أيضاً في هذه الحرب وإصرار الدول الداعمة للإرهاب على قتلهم.
يمضي الفيلم بأسلوبية اللقاءات التسجيلية من خلال حكاية البطلة الطفلة فرزات ذات الثلاثة عشر عاماً والتي أصيبت بسرطان الدم منذ ثلاث سنوات،لتقف بكل شجاعة أمام الكاميرا وتتحدث عن تجربتها الممزوجة بالخوف من صوت الطائرات والاشتباكات وأصوات الرصاص،ومواجهتها المرض وخوض معركة العلاج وحيدة في قسم الدمويات في مشفى الأطفال بعد سفر أمها إلى النبك للبقاء مع العائلة،افتقدت فرزات أمها وإخوتها وصديقاتها لكن أملها بالشفاء ومن انتهاء الأزمة كان أكبر،لتنتقل الكاميرا بلقطات صامتة إلى أماكن مختلفة وتترك حرية التعبير لفرزات عن وجعها وعن قرارها كتابة مذكراتها اليومية،لتشترك والدة فرزات وتتحدث عن الدور التربوي الذي قامت به إدارة المدرسة باحتضان فرزات والتعاون معها وتبرير غيابها أثناء العلاج ومساعدة صديقاتها،لتكشف عن خطوط إنسانية موجودة في كل مكان في مجتمعنا،هذا الدعم المعنوي كان عاملاً مساعداً في تجاوز فرزات المراحل الصعبة،وقد أفردت المخرجة مساحة للقطات الصامتة المؤثرة للأطفال من أعمار متفاوتة الذين يعانون من المرض والحرب معاً،فرغم الأنابيب الدقيقة المتصلة بأجسادهم النحيلة ورغم وجعهم يحاولون أن يضحكوا ويرسموا ابتسامة على شفاههم،لتتوقف المخرجة مع الطبيب المسؤول عن حالة المرضى والذي شكر جمعية بسمة التي تساهم بتأمين الأدوية الباهظة الثمن لأطفال سورية المرضى،والمشهد المؤثر الإهداء الذي كُتب على الشاشة لأرواح أطفال سورية الذين ماتوا جراء المرض،وإلى كل الأطفال الذين يقاومون بعزيمة وإصرار.الفيلم كان ومضة واقعية حزينة لأطفال موجودين في مجتمعنا ويعيشون أيام الحرب.
عجز القانون
وفي منحى إنساني ونفسي أرادت المخرجة اللبنانية مروة قرعوني أن تقدم تجربة مختلفة عن أفلامها السابقة (مش مهم –ذات) في مهرجان الشباب،فتناولت قضية إشكالية تتعلق باغتصاب فتاة معاقة ذهنياً مبيّنة الجريمة اللا إنسانية التي لحقت بالفتاة مسببة لها أضراراً نفسية إضافة إلى الأذى الذي لحق بالمجتمع جراء إنجاب طفلة من أب مجهول وأم معاقة وتربيتها في إحدى مراكز قرى (sos)نتيجة عجز القانون عن متابعة القضية بعدما تنازل الأب مقابل مبلغ ألفي دولار.في فيلمها “نور من الشرق” الذي استمر قرابة نصف ساعة إنتاج خاص هو من الأفلام القصيرة المشاركة على هامش المهرجان.
اتخذ الفيلم الطابع التسجيلي بعيداً عن أية إضافات أو مؤثرات فبدأت بسرد الأم قصة الاعتداء على ابنتها المعاقة من قبل جار لهم في السبعين من عمره،وبعد معرفة الأم توجهت إلى المخفر لتقديم شكوى ومن ثم رفع دعوى قضائية،وفعلاً تم حجز المتهم،لكنه أغرى الأب فتنازل عن حقه وبذلك ضاع حق الفتاة والطفلة لأن الأب رفض الاعتراف بها،في الفيلم أيضاً توقفت الكاميرا مع المحامي نبيه حمود من المحكمة فأوضح أن القانون لايستطيع أن ينصف الفتاة بعد تنازل الأب،المشهد المؤثر هو عدم جرأة الفتاة برفع وجهها أمام الكاميرا لنراها في المشهد الأخير تلعب مع الطفلة نور في دار الأيتام.
ملده شويكاني