ثقافة

صوت الدكتور محمود السيد للحفاظ على اللغة العربية

مرّ الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية الفصيحة في الثامن عشر من كانون الأول الماضي مروراً عابراً على خلاف العام الذي سبقه 2014، إذ أُقيمت فعاليات متعددة في كليات دمشق، وفي المعهد العالي للغات الذي عرض أيضاً فيلم “طوق الحمامة “لابن حزم الأندلسي، كونه من أمات الكتب، والأمر الهام أيضاً أنه أُقيمت ندوات في مجمع اللغة العربية لحماية اللغة العربية، والحفاظ عليها، بمشاركة الدكتور محمود السيد، رئيس لجنة تمكين اللغة العربية الذي لم يقرر مع الأعضاء في إحدى الندوات توصيات جديدة، بل أكد على تطبيق التوصيات السابقة التي دعت إلى استخدام الفصيحة، والحفاظ عليها بسبب عدم تطبيقها بالشكل الأمثل!.
وفي كتاب الدكتور السيد “النهوض باللغة العربية والتمكين لها” الصادر عن مجمع اللغة العربية، تهيمن عليه لغة الكاتب، وروحه الهائمة بعشق لغتنا التي هي هويتنا، ورمز انتمائنا، فيتوقف عند مسائل عدة تتعلق باستخدام اللغة العربية على أرض الواقع، ومحاولات طمسها ودحضها بأسلوب يتماوج بين السرد الواقعي لفلسفة اللغة العربية، وحقيقة وجودها، وإيضاح حقيقة استخدامها وتطبيقها من خلال إشكاليات متعددة مازالت شائعة كاستخدام العامية في الفضائيات، وفي المسلسلات المدبلجة، واعتماد اللغة الأجنبية في العملية التعليمية في الجامعات والمدارس الخاصة، وللأسف نجد أنها صارت واقعاً اعتاد عليه الناس، والأمر الأكثر أهمية أنه تطرق إلى بعض المصطلحات مثل: “التلوث اللغوي، وتقعيد العامية”، والخاصة الأساسية في الكتاب هي اعتماد الكاتب على التبويب، وتفنيد محاولات طمس اللغة العربية، ولم يأخذ الكتاب الطابع المحلي فقط، بل امتد تحليل وتفنيد واقع اللغة العربية على مدى مساحة الأقطار العربية، ورغم البعد الإخباري لسرد الكاتب، إلا أنه لا يخلو من جمالية ورومانسية الشواهد الشعرية التي يتميّز الدكتور السيد بحفظها.

الحفاظ على العربية
ضم الكتاب عشرة فصول نتوقف عند الأكثر حاجة في مجتمعنا ومؤسساتنا، ففي الفصل الأول “اللغة والهوية” أفرد الكاتب مساحة للتعريف بالعلاقة التواشجية بين اللغة والهوية، إذ لا يمكن الفصل بينهما، فكلاهما وجهان لعملة واحدة، وأورد أساليب الحفاظ على اللغة والهوية مثل: تعزيز الوعي اللغوي، والانتماء إلى الأمة ولغتها الأم الفصيحة الموحّدة والموحدَة، وانطلق من احترام الدستور في البلاد العربية كلها الذي ينص على أن اللغة الرسمية هي اللغة العربية، وعلى السياسيين استعمالها في خطاباتهم ولقاءاتهم، وفي منحى آخر ناقش السياسة اللغوية التي تتضمن تحديد المواقف من اللغة الأجنبية في المنظومة التربوية، والتعليم باللغة الأجنبية في المدارس والجامعات الخاصة، واللغات للفئات الخاصة على مستوى الأرض العربية، والعامية، والشعر النبطي، واللهجات الآسيوية في السوق والعمل والمنزل في دول الخليج العربي.
وعلى المستوى الأكبر أورد الكاتب مسألة اعتماد ممثلي الدول العربية اللغة الأجنبية في المحافل الدولية على الرغم من اعتماد اللغة العربية لغة رسمية بين اللغات العالمية الست في الأمم المتحدة ومنظماتها، والاقتراح الهام الذي اقترحه د. السيد عدم السماح للعاملين على الأرض العربية إلا إذا خضعوا لدورات تعليم اللغة العربية للحدّ من تأثيراتهم المباشرة السلبية في واقع اللغة داخل الأسر وللأطفال، وإلزام الشركات والمصانع بترجمة كل السلع والبضائع، وتوقف الكاتب أيضاً عند مسألة هامة، وهي تفنيد الدعوات الرامية إلى تعليم المواد التعليمية باللغات الكونية، ولا يعدون  العربية من اللغات الكونية، وإنما يقصدون الانكليزية، والفرنسية، متجاهلين أن اللغة العربية أسهمت بمسيرة الحضارة الإنسانية، ومن الأساليب المتعلقة بالحفاظ على اللغة العربية تفعيل الترجمة من اللغة العربية إلى غيرها من اللغات، ومن الأجنبية إلى العربية، وربط المهاجرين العرب بمغترباتهم.

انحسار اللغة العربية
في فصل “اللغة العربية في الثقافة والإعلام”، بحث المؤلف في واقع العربية في المنظومة الثقافية، وبدأ بانحسار العربية في العملية التعليمية التعلّمية، ويقصد سيطرة اللغة الفرنسية في جامعات المغرب العربي ومعاهده، وهيمنة اللغة الانكليزية في جامعات الخليج العربي، وأن الجامعات والمدارس الخاصة تدرّس أغلب موادها بالأجنبية حتى في مواد العلوم الإنسانية، والعزوف عن القراءة، فبرأي الكاتب أن النظام التربوي لم يفلح في تخريج القارئ الجيد المتمثّل للمقروء، والمزود بالفهم لما بين السطور وما وراء السطور، وبالتحليل والنقد الموضوعي، والنتيجة المؤسفة التي توصل إليها الكاتب أن الوطن العربي الأقل قراءة”، في حين نجد في الوطن العربي أن كتاباً واحداً لكل ثمانين شخصاً، ونحن للأسف أمة “اقرأ”، والقصور في ثقافة الأطفال، إضافة إلى غلبة اللهجات العامية في بعض مصادر الثقافة من جهة، واللغة الأجنبية من جهة ثانية مثل المسرحيات، والأفلام السينمائية التي تهيمن عليها اللهجات العامية، وضآلة الترجمة، والأمر الهام الذي بحثه هو التلوث اللغوي في البيئة، ويعني بها الكاتب استخدام المفردات الأجنبية في العملية التعليمية، كما توقف عند المشروعات الرامية إلى طمس الهوية العربية، وإبعاد العربية، ومنها: تشجيع اللهجات العامية في الوطن العربي، وعلى الأنترنت، ومهاجمة العربية، واتهامها بالصعوبة والتخلف، وعدم مواكبة العصر، ومهاجمة عمود الشعر العربي، ووضع الشعر الحديث عنه، وتقعيد العامية والكتابة بها في بعض ضروب الأدب، أما اللغة في الإعلام فتحدث الكاتب عن دور الفضائيات السلبي في نشر العامية في أغلب البرامج والمسلسلات المدبلجة، والمنوعات، وظاهرة استخدام الحروف اللاتينية على أنها بديل للغة العربية، وفي الوقت ذاته قدم الكاتب الحلول في إعادة النظر بالمناهج، والإكثار من البرامج الموجهة للأطفال، وتقديم المسرحيات والأفلام بالعربية السليمة، وتفعيل دور المجامع العربية، وإنشاء جمعيات ولجان للمحافظة على اللغة العربية.
التشاركية بين الجهات العامة والخاصة
وقد أوجد د. السيد الحلّ بالحفاظ على اللغة العربية، وتمكينها  في الفصل الثامن: “دور المسؤولين في نشر اللغة العربية في مؤسساتهم وتنميتها”، بالتعاون بين الجهات الرسمية والخاصة، فعلى المسؤولين عن التعليم غرس محبة العربية والانتماء لها، وتنمية قدراتهم على إدراك نواحي الجمال فيها، وللإعلام دور كبير في إشاعة الفصيحة ببث البرامج الدرامية المصوغة بعربية سهلة، فيها روح العامية، وثوب الفصيحة، وبث البرامج الموجهة للأطفال باللغة الملائمة لهم مع عنصر التشويق، والحؤول دون الإعلانات بالعامية، وبالكلمات الأجنبية مع خطوات متعددة، وفي النهاية التشاركية مع جهود المجتمع الأهلي المتمثّلة بالجمعيات الأهلية لحماية اللغة العربية.

ملده شويكاني