ثقافة

عصام يوسف: لا القصيدة تصحو من الحلم ولا أنا أصحو من “الغفا”

 

منصتاً لأطياف الصبح وهي تروي سير الغيم المنهمك في تدوين طباع الخريف، يميل الشاعر السوري “عصام يوسف” إلى جهة القلب ليستظهر من خفقاته الندية، كتاب الفرح المنفلتة حروفه من كل أسر، حرونة وعصية إلا على من خبر كيف يملأ جرارها بألفة بنت الكروم ودلالها، بعد أن يغمرها “بالتصاوير”، ويهدهد لمعانيها السارحة فوق مرمر الذاكرة، لتهدأ من أرق الكلام الغائم، والتباس الظن، علاقته مع الشعر قديمة قدم “الحكي”، بدأها قبل أن يتعلم الكتابة، ولربما علم الكتابة كيف تقول الشعر، وكيف تنحني خطوطها طيعة أمام سطوته المباركة، شعره كالحياة لا يقيم في منازل الأمس، لكنه يقطف الضوء من عناقيد اللون، ويتعلم من النبع كيف يصير الماء وردة متكئة على جذع أمنية.
“تراب ما بيشبه حدا، بيتين وتنور، ندي عازهر البال”، ثلاث مجموعات شعرية أصدرها “يوسف”، “البعث” التقت الشاعر السوري “عصام يوسف” ليكون هذا الحوار عن الشعر والشعر فقط.
< كان في الزمان إذا وجِد فقيه أو نحوي أو فيلسوف، كانت الناس تودع أولادها عنده حتى يتعلموا، الآن لو قام أحدهم بوضع ولده عندك ليتعلم ماذا تعلمه؟ وإذا قمت بافتتاح مدرسة للشعر، فما هي المناهج التي تدرسها؟.
<< بداية أعلمه أن يرتقي بإنسانيته وفكره، وإذا وجدت لديه موهبة حقيقة، فإنني أبدأ بتعليمه قيم الشعر الفنية، وهكذا تكون لدينا ثلاثة مناهج رئيسية هي: القيم الإنسانية- القيم الفكرية- القيم الفنّية، وكل منهج يحتاج لرعاية وعناية بالغة من المعلم والتلميذ، حتى يستحق بعد أن يتقنها روحاً وفكراً أن يصير شاعراً.
< ما هو الشيء السحري الذي يحيل عادي الكلام إلى شعر؟.
<< حتى يصبح “الحكي” شعراً يجب أن يتضمن الموسيقا والدهشة، الموسيقا هي الباب “اللي بيعزم السمع ع بيت الشعر”، والدهشة هي الجمالية التي “تشدّ ع بيت الشعر”، يعني موسيقا الوزن، وتناغم الجملة الشعرية، هي ما تشد للإصغاء إلى الشعر أولاً، ثم تأتي هندسة بيت الشعر، وطريقة توزيعه وما فيه من ألوان وديكور، وهي بقدر ما تكون بارعة وجميلة، فإنها تخلق العجب والدهشة، وتبهر العين الراقية المرهفة، “وبيشد الحواس، وبيضيّف نبيد الوحي بكاسات السمع”.
< عندما يسابق النهر مجراه باكراً، ليشرب من بستانك، ماذا تقول له؟.
<< أقول له: “تفضّل وتذوق على ذوقك، وكل البستان ع حسابك.. بس يا ريتك كنت مسبّق شوي، لأني قبل ما توصل، شربت قبلك شفّة عطر.. ولو كنت أعلم بقدومك، لما شربتها، وكنت خبأتها لك.. ألا تعلم أن الشاعر يضيّف البستان كلّه”!.
< تماثيل الزمان باللغة المحكية، من أين ازميلها؟.
<< لا ينحت تماثيل الزمان إلاّ ازميل الضوء بيد الشاعر النحّات، وهذا الازميل هديّة الشاعر من أمه الشمس ومصقول “بيد أبيه الوحي”.
< عندما ترى خيالك منعكساً على وجه الماء، ماذا يخبرك؟.
<< يقول لي إنني خُلقت “ع صورة السما”.
< لو أنك صعدت إلى قارب وسافرت في بحر اللون الرائق، من يكون رفيقك في هذه الرحلة؟
<< هي من تكون معي،”لابسي الصلا وحاملي الصورا ومخبّايي بقلبا الفرح”.
< ما هو أول صوت سمعته؟
<< صوت الضوء “من يوما بعزف ع رموش عيوني بيانو”.
< لو أنك خلقت شجرة، فأي شجرة تحب أن تكون؟
<< شجرة المعرفة لأكون قريباً من الله.
< إلى أين ستمضي يا عصام بالشعر المحكي ؟
<< ”لَفوق.. لَفوق .. لَمطرح اللي بيوقف الزمان”.
< برأيك لماذا لم تهبط السماء على الناس بعد؟
<< يبدو أنها منتظرة أن أوّقع كتابي.
< من أجمل الجرّة أو الصبيّة؟
<< كلتاهما جميلتان، ربما لأنهما من فخار “مْعبَّا” من النبع.
< كيف تستيقظ القصيدة من الحلم؟ ومن منكما يوقظ الآخر من الغفا أنت أم القصيدة؟
<< لا القصيدة تصحو من الحلم ولا أنا أصحو من الغفا، تارة أسهر أنا عندها، وتارة أخرى تأتي وتسهر معي وأحياناً نتبادل الرسائل “الغفا هو بستان الوعي بالبال، تقطف منّه تفاح الحلم الطيّب”.
< متى يخسر الشعر لمعته؟
<< عندما يقف مع الظالم ضد الحق.
< بعرف الشعر ما هو الوطن؟
<< هو الحلم الكبير الذي يبزغ فجره في خاطر الشاعر، يصبح قصيدة، فيها ذاكرة ممتلئة بالإحساس، وهذا الحلم أبيض شفاف نقي، قصيدة لايسعها الورق”.
< الصديق؟
<< الصديق هو من يسمع صوتك وأنت غائب وبعيد، هو من يحبك ومن ينتظرك  تحت الشتاء والشمس “تيقلّك مرحبا”.
< الصلاة؟
<< هي تنهيدة، تحمل همك عن كتفك وتضعه على كتف آخر، وقد يكون كتف حبيبي الله؟
< برأيك  لماذا تخاف اللغة من ابنتها “الحكي”؟
<< الأم لا تخاف من أولادها، الأم تكبر وتتجدد بهم لتحيا حياة جديدة، “يمكن تكون خايفة عليها تروح “خطيفة” مع حدا غريب من كثرة حكي الجيران والقرايبين” . “بس هالبنت مربّاية ورح ترفع راس أهلا”.
< متى تهذي القصيدة دون وعي؟
<< عندما تخاف أن تموت، وعندما لا تحيا حرة، وهنا يأتي دور الشاعر الحقيقي، ليسقيها مجداً وعنفواناً “وبترجع صبية ع مراية السما”.
< ماذا يريد الشاعر من الدنيا؟
<< “الشاعر ما بدّو شي.. زقّفلو شوي وبيكفّي”.
أسمعنا الشعر يا عصام:
“قنطرة الحلق/ا آخر قطاف الندي/أوّل صباه/وكل السما اللي/بتخطر ببال الإله/ما بتعرفي كيف الشعر/قلبو انعجق/عمّر قصر خصرك/على الشمس/وبْناه/من الحلا الْدايب بعينيكي/اشتلق/الله ومحا/كل شي حكاه/وما حكاه/خربط سما/وشو/كانت جنينه سماه/ع مراية خدودك/عـَ قنطرة الحلق/هونيك/كل شي في حلا/الله خلق”.

حاوره: تمّام علي بركات